جاءت الجولة العربية لولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، التي شملت الإمارات والبحرين ومصر وتونس قبل توجه سموه إلى الأرجنتين لحضور قمة العشرين يومي الجمعة والسبت، بالغة الدلالات في وقت شديد الأهمية والحساسية، وتشير إلى قراءة ثاقبة للمستجدات في المنطقة؛ حيث يقف الإقليم على أعتاب مرحلة حلحلة الأزمات العالقة سواء في اليمن أو سوريا أو فلسطين أو ليبيا، كما دخلت المواجهة مع إيران منعطفًا جديدًا بفرض حزمة العقوبات الأمريكية الأخيرة على نظام طهران اعتبارًا من الـ 4 من نوفمبر، أيضًا لا تخلو الساحة الدولية من احتقانات وتجاذبات عديدة أبرزها؛ الحرب التجارية بين واشنطن وبكين والصراع السياسي بين موسكو وعواصم أوروبية والمطالبات الأمريكية للحلفاء حول العالم بتغيير قواعد الشراكة الاقتصادية والعسكرية، كل هذه التفاعلات الإقليمية والدولية بجانب إطلاق المملكة سلسلة من المشروعات الكبرى المنفتحة على الاستثمارات الأجنبية وفقًا لرؤية 2030؛ استوجب التباحث وتبادل الرؤى مع الأشقاء في المنطقة، للوصول إلى توافقات ومقاربات حول الأحداث والملفات، قبل لقاء ولي العهد ” صوت العرب في قمة الـ 20″ مع باقي أعضاء المجموعة الـ 19.
لا غرابة أن تكون بداية الجولة العربية لسمو ولي العهد صوب الإمارات الشقيقة؛ حيث أن قادة البلدين أكثر تعاطيًا مع تحديات المنطقة، وأكثر تصميمًا على مواجهة المؤامرات، التي تُدبر ضدها، سواء كانت من القريب أم من البعيد، كما أن تطابقًا في المواقف والرؤى يجمع بين الرجلين القويين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وشقيقه ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، وأكدت الزيارة التلاحم المصيري بين البلدين، ومواقفهما الثابتة في الملفات كافة.
وفي البحرين المحطة الثانية لجولة الأمير محمد بن سلمان، أكد ولي العهد وجلالة الملك حمد بن عيسى ملك مملكة البحرين على أهمية تبادل أوجه التعاون بين البلدين الشقيقين، ودراسة كافة السبل الكفيلة بتطوير مسارات تعاونهما المشترك، لما فيه خير المواطنين في البلدين وتحقيق وتيرة متسارعة للتنمية ودفع عجلتها إلى الأمام في ضوء الرؤى والمشروعات المشتركة، كما شددًا على مواجهة التدخلات الخارجية من القوى الإقليمية في الشؤون الداخلية للدول العربية، وقد دشن الجانبان ضمن فعاليات الزيارة خط أنابيب النفط الجديد بتعاون بين أرامكو السعودية وبابكو البحرينية بمعدل ضخ يصل إلى 350 ألف برميل يوميًا، وبطول يبلغ 110 كم يربط بين معامل بقيق السعودية ومصفاة باكو البحرينية.
واستقبلت مصر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بترحاب كبير على المستوى الرسمي والشعبي، وتناولت المباحثات بين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والرئيس عبد الفتاح السيسي الملفات المطروحة على الساحة الإقليمية، وعكست المناقشات تفاهمًا متبادلًا بين الجانبين إزاء سبل التعامل مع تلك الملفات، وتم الاتفاق على الاستمرار في بذل الجهود المشتركة سعيًا للتوصل إلى تسويات سياسية للأزمات القائمة، بما يحفظ سيادة الدول العربية ويصون مقدراتها وسلامتها الإقليمية ويحقق طموحات شعوبها، كما تم الاتفاق على تعظيم التعاون والتنسيق المصري السعودي كدعامة أساسية لحماية الأمن القومي العربي، ومواجهة التدخلات الخارجية في الشؤون السيادية لدول المنطقة ومحاولات بث الفرقة بينها، والتي أفضت مؤخرًا إلى تأجيج التوترات والنزاعات والنشاطات الإرهابية والمتطرفة بها.
وكان الطابع الإنساني جليًا في زيارة ولي العهد القصيرة لتونس والتي استغرقت عدة ساعات، حيث قال الرئيس التونسي، باجي قائد السبسي: “كنا نتحدث مع سمو الأمير الذي شرفني بقوله أنا ابنك، وأنا اتشرف بذلك، وان شاء الله الزيارة هذه فاصل خير وانطلاقة جديدة للعلاقات، وأهلا وسهلا به (الأمير محمد بن سلمان) هو في بلده، ونحن في عاداتنا وتقاليدنا، لا يرحب بالمرء في عقر داره..”.