الأجهزة ستشاركنا تربية أبنائنا حالة تركناها في أيديهم
د.نزيه العثماني
د. نواف الحارثي
بدر مارديني
شجاع القحطاني
ماجد الحقيب
بقلم– رانيا الوجيه
شغلت الأجهزة الإلكترونية والتقنيات الحديثة الأطفال والمراهقين، حتى أصبح هناك جيل تنعدم فيه الحياة الاجتماعية، جيل صامت لايعترف بلغة التعبير ويفتقد فن الكلام، ليس له وسيلة سوى “كلك click”، في هذا التحقيق نبحث مع تربويين وأكاديميين وعدد من الآباء أسباب ونتائج الظاهرة، ونطرح من خلالهم بدائل تساهم في إنقاذ أبنائنا من الجوانب السلبية للتكنولوجيا الحديثة المقترنة بسوء الاستخدام؛ إلى التفاصيل.
إنعدام لغة الحوار
ماجد الحقيب محاضر في الإدارة والتخطيط التربوي والجودة الأكاديمية. يقول: لا يخفى أن المجتمع يواجه إشكالية كبرى مع الجيل القادم بسبب الأجهزة الإلكترونية، والأسرة باعتبارها حجر الأساس في بناء المجتمع تعاني في الفترة الحالية من إشكالات تتعلق بالتواصل الاجتماعي في العلاقات الأسرية، ويشرح الحقيب مدى المعاناة التي يواجهها كمعلم ومحاضر في الجامعات موضحًا بقوله: على صعيد المؤسسات التعليمية والتعليم العالي بالتحديد، الذي يقوم على المناقشة والحوار وابداء الرأي واظهار شخصية الطلاب والأبحاث الشخصية، تكاد تنعدم جميع تلك السمات الأساسية لدى الطلاب، ويعود السبب إلى إنعدام وجود جيل قادر على النقاش، إنما يوجد جيل قادر على مناقشة الصورة فقط معتمدًا على البصر، مما يجعل هذا الجيل يفتقد مهارات الاتصال والمهارات الاكاديمية داخل القاعة والمعمل، وفيما يتعلق بالنواحي الأمنية انتشرت الجرائم المعلوماتية وغيرها، بسبب الجلوس مطولًا على الإنترنت والأجهزة الذكية، وبالتالي نحن نواجه غزوًا داخل بيوتنا من خلال تلك الأجهزة، وآثارها لا تقتصر على الأسرة وأساليب التواصل الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية، بل أصبحت تمثل خطورة أخلاقية وأمنية وسلوكية واختراقات لأمن المجتمع وإشكاليات عديدة من هذا النوع.
الحوار الأسري
ويقترح الحقيب مجموعة من البدائل المتاحة لجميع مستويات المجتمع قائلًا: بداية.. الخطورة ليست محصورة على الأسرة فقط، إنما تطال المجتمع بأكمله، ورغم ذلك يقع العبء الأكبر على الأسرة؛ حيث أنها المتضرر الأول، كما أنها خط الدفاع الأول، ومن وجهة نظري ما يعانيه الشباب والأطفال اليوم وتحولهم إلى جيل صامت لا يتفاعل ولا يجيد لغة الحوار والنقاش يعود إلى ضعف الحوار داخل الأسرة، وبالتالي الحل يأتي من الأسرة أولًا؛ فكلما كانت العلاقات داخل الأسرة قوية، من خلال الأبوين والحفاظ على الجلسات الأسرية باستمرار، حتى يتم الاشباع العاطفي والروحي؛ يحد ذلك من الجلوس على الأجهزة الذكية لفترات طويلة.
والرياضة
ويختتم المحاضر ماجد الحقيب بأنه: من جانب آخر ممارسة الألعاب الرياضية بالنسبة للأطفال والشباب يساهم في تقليل الوقت “الضائع” مع الأجهزة الذكية، كما أنه يساهم في تقوية أجسادهم ويُفرغ الطاقة الموجودة لديهم في أشياء مفيدة ونافعة.
الحاجة لاستراحة
ويقول الخبير التقني نزيه مكوار: إن التكنولوجيا أصبحت ضرورة في حياتنا ومن الصعب خروجها من حياتنا اليومية، حيث أن التوجه الآن بجميع المجالات تقني، وذلك هو السائد في العالم، ومن جانب آخر الحياة الاجتماعية قد تضاءلت وتأثرت بشدة، وأصبح هناك شبه نفاق في التعبير عن الحالة الاجتماعية سواء بالسعادة أو الحزن، وأصبحت المباركات والتعازي والمناسبات عن طريق التقنيات الحديثة، وحتى نستطيع السيطرة عليها لابد أن نأخذ استراحة من تلك التقنيات، المستخدمة إما للمعرفة أو للترفيه والتي تشكل ضغوطًا نفسية واجتماعية، وتكون الاستراحة من 3 إلى 5 أيام، حتى يستطيع الإنسان ممارسة حياته الطبيعية والاجتماعية بشكل سليم.
تحديد الوقت والرحلات
ويضيف مكوار: أما على صعيد الأطفال فأفضل حل للحد من استخدامهم للأجهزة الذكية هو تحديد الساعات أو تحديد الأيام، وهناك طرق عديدة كمثال لها؛ أن يتم تحديد وقت استخدام الآيباد أو الجوال بمدة شحن الجهاز لمرة واحدة فقط، وبالتالي يستطيع الطفل أو المراهق تحديد الأيام التي يستخدم بها الأجهزة الذكية، والبديل بشكل عام هو كسر عادة الجلوس لوقت طويل على الأجهزة الذكية، عن طريق الاشتراط على الأصدقاء والأقارب عدم استخدام الأجهزة أثناء التجمع العائلي إلا في الضرورة وللرد على العائلة، وأيضا رحلات البر والصيد مناسبة جدًا للحد من استخدام الأجهزة؛ لعدم توفر إرسال للشبكة، ومن هنا يبدأ الإنسان الانتباه والاستمتاع بالحياة.
اسأل مجرب
ولأن المثل يقول ” اسأل مجرب”، استمعنا إلى آراء مجموعة من الآباء يعلقون على استخدامات أطفالهم للأجهزة الذكية، ويقترحون بعض البدائل من واقع تجاربهم.
التنمر الإلكتروني
يقول الإعلامي بدر مرديني من واقع خبرته كأب: ما يمر به الأطفال من استخدام الأجهزة الذكية “بدون توجيه” تسبب في اضطراب شخصياتهم، أبسطها السلوك الاجتماعي مع الغير وأوّلهم أفراد أسرهم؛ حيث اللامبالاة وعدم الاهتمام بالآخرين، فضلًا عن التنمر الإلكتروني؛ حيث ممارسة العنف عبر التقنيات الحديثة مع الغير، في ظل الاطمئنان إلى عدم العقاب، وبالتالي تصبح شخصياتهم غير سوية في المستقبل.
“من أعطى الجوال”
ويردف مرديني: من منظوري الشخصي و بكل تواضع فإن المحاسبة ليست لمن في يديه الجوال، إنما لمن “أعطى” الجوال، هؤلاء هم من يجب محاسبتهم، وتنويرهم عن متى يمكن إعطاء هذه الأجهزة، وفي أي مرحلة عمرية، مع المراقبة لسلوك الطفل ومتابعته.
“لهّاية مسننة الأطراف”
وأتم الإعلامي بدر مرديني : بموجب عصرنا الحالي الأجهزة الذكية ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها، ولكن يجب الإلمام بآلية الاستخدام، ومتى يتم منحها حسب الفئة العمرية، لأن مفهوم “طفل” يعني أن أمامه الكثير ليتعلم و يتبلور، وبالتالي الجهاز الذكي يعتبر “لهّاية مسننة الأطراف” تضر عقله، لكن طالما هناك رقابة و توجيه، باذن الله لا مخاوف.
مرض نفسي
ويشير دكتور نزيه العثماني أستاذ مساعد قسم الهندسة الكهربائية وهندسة الحاسب كلية الهندسة بجامعة الملك عبدالعزيز إلى أن منظمة الصحة العالمية في سبتمبر ٢٠١٨، اعتبرت الإدمان على الألعاب الإلكترونية مرضًا نفسيًا يستوجب العلاج، وأن الألعاب الإلكترونية تؤثر على مهارات التواصل وطرق التعامل الإنساني بين الناس، وتدفع بالأطفال للعزلة وعدم القدرة على التعبير بشكل جيد.
العب معه قليلًا
ويواصل : التعامل مع الموضوع سيستغرق وقتًا طويلًا فهي ليست مشكلة يمكن حلها فورًا، وسيصعب على الابن تقبل رأيك وسينظر لك على أنك من جيل مختلف لا تفهم احتياجه، لذا أبرز نفسك كشخص مستعد لتجربة أشياء أخرى والعب معه قليلًا واستمتعا بوقتكما معًا لتنمو ثقته بك، حدد وقتًا محددًا لهذه الالعاب مثلًا آخر الأسبوع فقط .
التصنيف العمري للألعاب
وينصح دكتور نزيه العثماني بأن: لا تعطيهم صلاحية شراء الألعاب الجديدة بشكل مباشر، بل لابد من موافقتك على اللعبة قبل شرائها، هناك تصنيف عمري للألعاب لابد أن تعرفه قبل شراء اللعبة، فهناك ألعاب للكبار وأخرى للصغار، اللعب يأتي بعد أداء المسؤوليات أولًا (الواجب والمذاكرة وتنظيف الغرفة وترتيب الدولاب وأعمال أخرى).
هوايات أخرى
ويقول: رتب جلسات عائلية بعيدًا عن ألعاب الفيديو، ومارسوا الألعاب الورقية وألعاب البورد المنتشرة، ضع اللعبة بمكان مفتوح ولا تشتري لعبة لكل طفل من الأطفال.
ويختتم: شجع الطفل على الرياضة والأنشطة مع الأصدقاء والرياضة والبرامج الإضافية والرحلات البعيدة عن ألعاب الفيديو.
بين المنع والسماح
وتقدم دكتورة وفاء الطجل مستشارة تربوية وتعليمية والرئيس التنفيذي لـ”تربويون للنشر والتوزيع”، عدة نصائح عملية مفيدة وبدائل لاستخدام الأطفال والمراهقين للأجهزة الإلكترونية والذكية، وتقنين ساعات الاستخدام تقول: أصدرت الجمعية الأمريكية لطب الأطفال منذ 4 سنوات تقرير يشير إلى المنع الأطفال التام للتعرض للأجهزة الذكية، حيث أن تلك الأجهزة خطيرة جدًا، ولا يفترض أن يتعرض الأطفال لها نهائيا، ولكن في عام 2017 تم إصدار دراسات أخرى ميدانية تبين أن الأجهزة هي لغة العصر، وأننا نعيش في عالم جديد علينا وعلى أبنائنا وأنه لابد أن نعطيهم فرصة لكي يتعاملوا مع التكنولوجيا، حيث أن زمن التسارع التكنولوجي لغة مستقبلهم، ولابد أن يكونوا ملمين بها، ومقارنة بكل الأضرار الموجودة وما بين المنع والسماح، يجب ان نعرف كيفية التعامل مع الأبناء أثناء استخدام الأجهزة الذكية وكيفية ضبطها واستخدامها، مثلها كأي اختراع حديثـ، على سبيل المثال التلفزيون حين منع الآباء أبنائهم في وقت ما من مشاهدة التلفزيون.
جملة مشاكل
وتوضح الطجل : من أخطر المشاكل التي يتعرض لها الطفل خلال قضاء أوقات كثيرة على الأجهزة الالكترونية؛ سوء عملية التواصل اللغوي، وتقليل لياقتهم البدنية، ويضعف الحركة لديهم، والاصابة بالاكتئاب، وتشتت الانتباه، ويجعلهم عنيفين، فالمحتوى والاختيار يعتبران مسؤولية 100%.
الأنشطة البدنية
وتتابع: هناك عدة أنشطة يستطيع الطفل والمراهق ممارستها عوضًا عن استخدام الأجهزة الذكية، وذلك عن طريق التواصل الاجتماعي بأصدقائهم ومشاركة الألعاب الجسدية كالسباحة ولعب الكرة والرسم وغيرها من الأنشطة، التي تنمي ذكائهم وتغنيهم عن استخدام الاجهزة الإلكترونية بشكل خاطئ وغير سليم، حيث أن الأجهزة ستشاركنا في تربية أبنائنا في حالة تركناها في أيدي الأبناء دون تقنين أو مراقبة ومتابعة، والنتيجة ستكون كارثية في النهاية بالطبع.
اعادة توجيه الأسرة
ومن الجانب النفسي يفسر دكتور نواف الحارثي استشاري الطب النفسي : أن موضوع الاجهزة الذكية معضلة كبيرة وله عدة تفاصيل، أهمها إذا كان استخدام الأجهزة في الحدود الطبيعية التي لا تعيق قضاء الوقت مع الأسرة أو قضاء الوقت مع النفس، فأعتقد ان هذا الاستخدام مقبول، كما أنه ليس الأطفال أو المراهقين فقط من يقضون أوقاتًا طويلة على الأجهزة، بل أيضا الكبار البالغين والآباء والأمهات، ونستغرب أن العلاقات الاجتماعية في السابق أكثر قوة.
ويضيف: ومن جانب آخر لكي نحمي أطفالنا من تلك الأجهزة لابد أن يتوفر بديل ويكون مناسبًا ومفيدًا، حيث أن تلك الأجهزة تخفض من مستوى التفاعل والتعامل مع المجتمع، والوالدان يقع عليهم الدور الأكبر في إعادة توجيه الأطفال إلى استخدامات الأجهزة مع تقنين الاستخدامات، ولا مانع أن يقضيًا الوقت في موضوعات تنمي مستوى تفكيرهم وثقافتهم، إلى أن يتحول الجهاز إلى كتاب مفيد .
القدوة والاقتداء
ينوه الاستشاري الاجتماعي والأسري شجاع القحطاني إلى أن التكنولوجيا والثورة المعلوماتية لها دور كبير في عملية التواصل بين أفراد الأسرة، ولكن الدراسات النفسية والاجتماعية تشير إلى أن الأطفال غالبًا يتأثرون بالقدوة والاقتداء أكثر من النصيحة وتوجيه الكلام، بمعنى على سبيل المثال؛ دوري كأب أن أعطي نصائح عن الصلاة والصدق والأمانة والسلوك السليم، ولكن لن تؤثر هذه النصائح إلا في حالة إذا رآني طفلي وأنا أطبق تلك النصائح؛ كذهابي إلى المسجد والالتزام بمكارم الأخلاق، لذلك إذا أراد الآباء تغيير سلوك أبنائهم عليهم أن يؤمنوا بأن القدوة والإقتداء هي أفضل طريقة لتغيير أبنائهم، وذلك ينطبق على الأجهزة الذكية.