قبل عدة سنوات كان الإتيان إلي ساحر أمر صعب٬ وربما خفف البعض مسمى “ساحر” هربا من العقوبة الشرعية٬ أو خديعة للنفس البشرية٬ فأصبح يقال معالج روحاني أو راقي شرعي٬ إلى آخر هذه المسميات٬ ولكن مع انفتاح الشبكة العنكبوتية بلا ضوابط أصبح من السهل العثور على آلاف المواقع التي تعلم السحر٬ سواء عن طريق كتب أو فيديوهات تعليمية٬ والأكثر غرابة أيضا أن بعض الدجالين يضعون أرقامهم الهاتفية على الإنترنت وطور البعض منهم أداءه وأنشأ موقعا إلكترونيا خاصا به، لتتبدل صورة الساحر القديمة الذى كان يمارس عمله في الخفاء وفي سرية شديدة ويرهبه الكثيرون دون أن يعرفوا أي شيء عنه.
كيف تكتشف أنك مسحور٬ وتعلم كيف تفك السحر لنفسك٬ وجلب الحبيب في دقائق٬إلى آخر هذه العناوين التي تستهوي عديد من الناس بمختلف فئاتهم العمرية والتعليمية٬ الأمر يبدو في منتهى الجدية بل ويحذر من العبث ودخول الهواة وكل ذلك يحدث في إعلانات تلك المواقع التي تسللت إلى الشبكة العنكبوتية لتعشش فيها منذ أمد بعيد. لكنها هذه المرة تحاول ارتداء الزي الأكاديمي. واحد من تلك الإعلانات يقول “يمكنك أن تتعلم وأنت في المنزل وأنت في عملك وأنت في أي مكان عن طريق الإيميل كل هذا أصبح متاح معنا فقط “٬ ” دورات تدريبية متعددة المستويات. في علم الكنوز، الرمل، الكف، الحفر، الصلصلة والدجنة كل علم على مستويين، التنزيل بالزئبق الأحمر الروحاني والطقش المغربي وعلم الصفة الإلهية وأخذ بعض الهاكرز على عاتقهم التصدي لتفخيخ هذه المواقع احتسابا للأجر ودرءً للمفاسد.
بل إن العديد من المسلسلات والبرامج أصبحت تروج لعالم السحر وتعلمه بطرق درامية غير مباشرة ودخل على الخط أيضا مواقع لا حصر لها بكل لغات العالم عن قانون الجذب وفاعليته في جذب ما تريد..
ورغم كل المحاذير الشرعية التي نرددها ٬ لكن على أرض الواقع تقول أم فيصل: كنت أشك في تصرفات الشغالة٬ خاصة مع ما نعرفه ونسمعه يوميا عن حالات ضبط الشغالات اللاتي يقمن بعمل سحر لأهل المنزل٬ وعلمتني صديقة لي على بعض المواقع٬ وبالفعل هي كلها آيات قرآنية حتى أكشف أمرها والحمد لله تبينت الحقيقة٬ ولكن هناك بعض المواقع مضللة٬ وهنا تأتي فطنة المؤمن في التعرف على ما هو شرعي وما هو غير ذلك٬ لأن بعض المواقع أيضا تدس تعاويذ وطلاسم بين الآيات القرآنية٬ وهذا حرام.
خواتم
وأم فيصل ليست الحالة الوحيدة ولكن هناك شبيهات لها كثر ومن مختلف أنحاء العالم٬ فالموضوع يدخل أحيانا في الهواية٬ كما تقول سمية: بدأت التعرف على هذه المواقع من بابا الفضول٬ ولكنها استهوتني بقوة وأصبحت تسيطر علي٬ وكلما تعرفت أكثر أردت المزيد٬ والبعض بالطبع يظهر تخريفه وعدم علمه منذ البداية فيكون وسيلة للضحك والتسلية٬ ولكن البعض بالفعل متمكن٬ وهناك أكاديميات ومدارس٬ ولكن غالبيتها يريدون التربح من وراء بيع أدوات السحر والخواتم المروحنة كما يسمونهاوغيرها من المواد.
تدليس
ويؤكد الدكتور أحمد قاسم الغامدي أن موضوع تفشي هذه المواقع التي تروج للسحر من خلال التلبيس بآيات قرآنية للتدليس على الناس بما يخالف الشرع لأنه يستخدم آيات الله٬ هو امتداد لحالة قديمة وليست جديدة ولكنها تطورت مع تطور التقنيات والمعلومات والتواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية٬ التي أصبحت تروج المعلومة سواء صحيحة أم خاطئة٬ فاستخدم هؤلاء الملبسون المدلسون هذه الوسائل لترويج هذه الأفعال٬ خصوصا أنه من الصعب جدا الوصول إليهم من خلال الروابط الإلكترونية والمواقع٬ إلا من خلال تقنية مستجدة في البحث عنهم٬ والرقابة الإلكترونية٬ وهذا ضعيف غالبا في المجتمعات العربية.
غير مباشر
ويرى الدكتور الغامدي أنه من المهم جدا لمعالجة هذه الظاهرة التركيز أولا على التوعية المجتمعية٬ خاصة الفئات التي غالبا تلجأ إلى مثل هذه المواقع٬ وهم غالبا من الشباب الناشئة من الشباب والفتيات ومن النساء٬ لأنه غالبهم لا يلجأ لمثل هذه المواقع واستخدام السحر إلا من ضعف عقيدته وإرادته ٬ وهم الشباب في مقتبل العمر أو النساء٬ وبعض الرجال أيضا يلجأون لضعف ايمانهم وقلة توكلهم على الله٬ فإذن استهداف كافة فئات المجتمع٬ ولكن شريحة الناشئة والنساء٬ من خلال عدة وسائط منها٬ برامج تلفزيونية ومسلسلات٬ سواء درامية أو كوميدية٬ لتصل الرسالة بشكل مباشر أو غير مباشر٬ ليس فقط بالتوعية بأحكام السحر وتحريمه٬ والاستدلال على التحريم بالآيات والأحاديث٬ إنما لابد أن تكون الرسالة من خلال برامج يقبل الناس عليها٬ لتصل الرسالة بشكل أعمق وبقناعة٬ ليس فقط من قبيل اظهار الحكم٬ لأن الحكم يتقبله المؤمنون٬ ولكن بعض الناس يلبس عليه٬ ويأتي له بفتوى أن يعالج السحر بالسحر٬ فيختل الأمر عنده٬ لابد من التبيان في برامج التوعية كيف يعمل الساحر سحره٬ وكيف لا يقع منه ذلك إلا بعد الكفر بالله٬ وأنه حين يكفر بالله لابد أن يتقرب بذبح أو أدعية لغير الله٬ أو تنجيس كلام الله٬ أو أي طريقة يتقرب بها من الشياطين٬ وكيف يحدث الضرر بالآخرين٬ ينبغي أن تظهر هذه البرامج قبح هذه الظاهرة وفساد ضمائر أهلها٬ لتنفيرهم منها ولا يكتفى بتبيان الأحكام.
موبقات عصرية
وأضاف د. الغامدي: والآن كما هو معروف٬ كل المسلمين يعرفون أنه من المحرمات٬ بل من الكبائر٬ والموبقات كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن السبع الموبقات ومنها الشرك بالله والسحر٬ وبين الله تعالى حكمه في كتابه وقال أن السحرة اتبعوا الشياطين٬ واتبعوا ما تتلوا الشياطين على حكم سليمان٬ وما كفر سليمان٬ ولكن هم كفروا٬ يعلمون الناس السحر٬ كذلك كانوا يبينون لمن يتعلم منهم “إنما نحن فتنة”٬ لا تكفر٬ فيتعلمون منهم ما يفرقون به بين المرء وزوجه٬ فالسحر يستخدم للتفريق بين الرجل وزوجه٬ ويستخدم للعطف٬ أي للتحبيب والترغيب٬ ولكن بين الله سبحانه وتعالى ” وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله” ٬ فلا يقع شيء في الكون صغيرا كان أم كبيرا إلا بإذن الله٬ ومن هذا ما يزعم السحرة من ادعاء على تغيير الأمور٬ وهذا كذب٬ لا يقع شيء إلا بإذنه٬ فالضرر يصيب المسحور بإذن الله٬ ولكن لا يعتقد في قدرة الساحر أنه يغير أو يبدل٬ ومن اعتقد أن الساحر يستطيع شيئا أو يبدل شيئا فاعتقاده باطل واعتقاد كفري٬ إنما جعل الله أسبابا٬ ومنها السحر٬ فمن يتعاطى هذا فقد دخل في باب الموبقات٬ وهذا يوضح لنا حكم السحر٬ وأردت أن أبين كيف يمكن الاستفادة في تبشيع هذا العمل واللجوء إليه٬ ويستخدم الساحر ما يخرجه عن دينه٬ وفيه ظلم عظيم على المجتمعات ٬ ومن خلال ذلك نبين خطورة ذلك على المسلم وغير المسلم من اتباع السحرة٬ وما ينبغي على المسلم وغير المسلم إلى اللجوء إلى الطرق الصحيحة والسنن الكونية الصحيحة التي توصله إلى أهدافه من عمل وصحة وزواج وعلم وخلافه.
قانون الجذب
ومن الأمور المستحدثة أيضا قانون الجذب بكل ما يحيطه من قبول ورفض٬ ويوضح هنا عمار جلال مدرب تطوير وتنمية ذاتية أن هناك خلط بين الجلب وقانون الجذب٬ نشاهد كثير من الإعلانات والدعايات عن جلب الحبيب ورد المطلقة واستعادة الغائب وما إلى ذلك من أمور٬ فكل ذلك نصب واستغلال احتياجات الناس٬ أما ما يتعلق بالشق الثاني وهو قانون الجذب٬ فيقول: الموضوع مثار لأن هناك لغط حوله٬ رغم ما تم توضيحه من كثير من العلماء حول العالم٬ فهو قانون كوني ثابت له شواهده وثوابته٬ وتم تفصيله في عدد من الكتب والمحاضرات بدلائله العلمية والشرعية والنظرية والتطبيقية٬ وهناك من التجارب التي لا تقدر بالآلاف لمن طبقوا القانون وتوصلوا إلى نتائجه٬ ولكن الفكرة في طريقة استخدام القانون.
الحياة يسر
ويضيف: لنتفق أن الكون له نظامه وقوانينه التي تسهل حياة الناس وتصل إلى ما تريد أن تصل إليه بكل سهولة٬ «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر»٬ فمن مجموعة القوانين التي تسهل الحياة ما أطلق عليه “قانون الجذب”٬ وكان من الممكن أن يطلق عليه أي اسم آخر٬ ولكن تم الاتفاق على الاسم٬ والمشكلة أن هناك من عرفه بطريقة خاطئة٬ وقدمه للناس بأسلوب خاطئ أيضا٬ بمعنى أن تجلس لتفكر في أمر ما٬ وتتخيل شريك الحياة مثلا وتطلب منه أن يتقبلك كشريك٬ أو تتخيل أنك في وظيفة ما دون أن تتحرك من مكانك٬ وهذا خلط٬ بل وضد المقاصد الإلهية التي تحث الإنسان على السعي والعمل٬ «ومن أراد الآخرة سعى لها سعيها»٬ سعي داخلي وسعي خارجي٬ لتتوافق مع ما تريد الحصول عليه.
وحاليا أجهز لدورة تدريبة عن فن استقبال ما تريد٬ كيف تحدد وتنوي بشكل سليم وتتهيأ لاستقبال ما تريد بشكل عملي سليم٬ لا يخل بالشرع أو العقيدة٬ فلا يكفي ظهور الفرصة للحصول عليها٬ إنما أبدأ في الأخذ بالأسباب٬ وهذا باختصار تفعيل قانون الجذب في حياتنا٬ تطوير الذات والسعي والاجتهاد للحصول على ما نريد٬ فأي قانون كوني يعمل مع كل شخص بشكل منفرد٬ ومن خلال الشخص نفسه٬ فمن يدعي أنه قادر أن يجذب لغيره فهو مضلل٬ ولكن تكون مساعدة من مدرب لتسهيل التطبيقات وتعليمها٬ والقانون لا يعتمد على الأفكار وحدها٬ القانون يتم تفعيله مع الطاقة ومشاعر ما أريد.
الاستحقاق
ويؤكد عمار أن الإشكالية التي تجعل هناك نقد أو مغالاة لقانون الجذب٬ هي آلية الاستقبال٬ فمن جربوا قانون الجذب ولم يحصلوا على شيء نقدوا القانون٬ ووجهوا له الاتهامات٬ فظهر في المقابل من يزعم أنه قادر أن يجذب لغيره ما يريد٬ والإشكالية في الشخص الطالب٬ فهو غير مهيئ لاستقبال ما طلبه! فبجانب ما أحدد ما أريد أكون مستعدا للحصول عليه٬ في حالة من الاستحقاق للحصول عليه.