بقلم: السعد المنهالي
قصص النجاح كثيرة جداً، غير أنها ليست بالضرورة قصصاً ملهمة؛ وهي حقيقة لا ينتبه إليها الكثيرون. إن الملهمين يمتلكون كأصحاب النجاحات عزماً وقوة يبذلونهما بسخاء لتحقيق أهدافهم، غير أن ـ والأمر هنا لا يتعلق فقط بمحاولاتهم وجديتهم لتحقيق الإنجاز ـ حسب رأيي، قدرتهم على الاستمرار ليس فقط في بيئة تنعدم فيها عوامل التشجيع والدعم، وإنما أيضاً تنتشر فيها المثبطات ومحددات الحركة والاستخفاف والتبجح. وليس أكثر سوءاً من تلك الاعتبارات التي يفرضها الواقع الاجتماعي والثقافي.
في جلسة حوارية جمعتني بالإعلامي عبدالله الخريّف عن «دور الترجمة كأداة تغيير»؛ ألح عليّ خاطر حول إصرار الخريّف على ترجمة فيديوهات إنجليزية قصيرة، تحكي قصصاً ذات بعد إنساني عالٍ ودافعة لإلهام الآخرين، وكان يكفيه أن يستمر بالهام الناس عبر أي محتوى عربي من دون الحاجة إلى جهد الترجمة؟ غير أن الحقيقة التي لاحظتها للمرة الأولى، أنه ورغم قصص النجاح الكثيرة في أوطاننا، لا يوجد لدينا مثل هذه الفيديوهات القادرة على إلهام الناس والتأثير فيهم؛ ولكن لماذا؟!
الإجابة بكل سهولة، ستجدها في الفقرة الأولى؛ فالواقع الاجتماعي الذي نعيشه والذي نتوارثه، لا يسمح لأصحاب الإنجازات إلا الحديث عن منجزهم المتحقق؛ أما ما سبق ذلك من فشل وألم ومعوقات، هي أمور يجب أن لا توجد في الصورة النهائية للنجاح. ولهذا لا نجد مليارديرا يحدثنا عن اضطراره لتناول الطعام مع الفقراء في المسجد أو من مكب نفايات في بداية مشواره، ولا عن مدير عام ناجح أنقذ نفسه من سجن الأحداث، ولا عن وزير كان والده يعمل سائق باص مدرسة أو بائع سمك، ولا عن حاصل على جائزة دولية فريدة يحدثنا عن فشله في الدراسة وطرده من المدرسة بسبب انفصال والديه.
هذه الحالات وغيرها هي تماماً ما يلهم، وهي ما تستحق أن يتحدث عنها أصحابها في العلن، وتأتي قوتها الحقيقية في قدرة أصحابها على تجاوز كل ما يمكن أن يحدث بسبب حالة الصراحة تلك، والتي قد تضر بعض المعنيين، كالأقارب والأصدقاء. الإلهام الذي نتوقعه يحدث عند مقاومة الفرد لظروف قاسية مؤلمة، ظروف تجعل أي شخص آخر يستسلم؛ ولأنه مختلف قاومها ونجح، ولذا استحق أن يكون ملهماً لآخرين لهم الظروف ذاتها، ليعرفوا أن الحياة تمنح الفرص أيضاً لأمثالهم.