موظف الهاتف الذي بدأت تداعبه موجات البث الإذاعي مع بدء انطلاقته لم يتمكن من التغاضي عن مغازلة مايكروفون الإذاعة فكانت بداية المشوار الإذاعي في العام 1957، لخالد زارع من الميدان الذي تناوب فيه لأعوام عديدة على تقديم الفرسان من خلال برنامجه «فرسان في الميدان» ليعتلى من بعده صهوة الجواد الإعلامي في العصر الذهبي للإذاعة السعودية؛
من خلال البرنامج الثاني ويكون أحد فرسانها الأوائل الذين عملوا على تثبيت أركانها من خلال قراءة نشرات الأخبار التي أعطاها الزارع ذلك التميز لدى المستمع السعودي وارتبط بها من خلال صاحب الصوت الرخيم، ويبدأ تقديم البرامج الإذاعية مع مذيعي تلك الفترة من أمثال عبد الرحمن يغمور ويوسف شاولي كما أوضح محمد رجب «كان من أبرزها مجلة الإذاعة التي كانت تقدم منوعات ثقافية وفنية.
يأتيك صوته عبر الأثير معجون بالندرة ومغلف بسولفان الفخامة، يعطره عبق من الماضي الجميل، ابداع الزارع لم يقف عند الإ1ذاعة بل حلّق على مسرحها من خلال أدائه كممثل، وكاتب نصوص مسرحية وتلفزيونية ناهيك عن الأغنيات؛ وليكون احد أعمدة المسرح الإذاعي في العام 1962 ـ 1963، من خلال ممثليها الذين وجدوا في نصوصه روح الحياة التي يعيشها ابن البلد، والتي استمدها من واقع الحياة اليومية مثل أبو عرام والأفندي.
أعمال أبو خزام الإذاعية لم تقتصر على الدراما الإجتماعية، بل تمكن من تقديم المسلسل التاريخي، وربما كان من أشهرها «عمرو بن العاص»، والذي ترك صدى طيبا؛ مدرسة خالد زارع اتصفت بواقعية ممزوجة بحس فكاهي؛ جعلت كثيرين يعشقون أسلوبه من أمثال عدنان صعيدي، خالد جاد، سعود الذيابي والفنان عبد الستار صبيحي، وقام الزارع أيضا بتطوير بعض الشخصيات الإذاعية كتبها مثل مشقاص الشخصية التي اشتهر بها الفنان حسن دردير والشخصية الفنية للراحل لطفي زيني.
المساحة الإبداعية للزارع منحته الفرص ليقف أمام كاميرات التلفزيون، مذيعاً مرة ومخرج منفذ مرة أخرى، وبينهما تمكن من رسم الصورة التلفزيونية من خلال السهرات التلفزيونية، بمشاركة رفاق درب التشخيص الدرامي، أمثال محمد حمزة وأمين قطان وعلي بعداني وعبد الرحمن حكيم والدردير والشاولي، ولم تخل التجربة التلفزيونية للزارع من التميز الإبداعي، من خلال بساطة الطرح وعمق الفكرة التي اتسم بها برنامجه «كلمة عتاب»، والذي قدم من خلاله ما يطلق عليه التوجيه التلفزيوني الآن في قالب درامي محبب.
وسبق الزارع زمنه عندما قدّم أول تجربة للبرنامج السياحي من خلال برنامج ربوع بلادي؛ الذي كان يقوم فيه بزيارات للمدن والقرى والهجر في انحاء المملكة؛ عبر عدسات الكاميرا في منتصف السبعينات الميلادية ليستمر حتى أوائل الثمانينات، وبالمقدمة الغنائية للبرنامج استطاع الزارع من خلال كلماتها أن يرسم مشاعر حب وارتباط بالأرض وحنين للذكريات تمثل في التراث الثقافي والفلكلور الخاص بكل منطقة، يقول مطلعها “ربوع بلادي/علينا بتنادي/بتقول تعالوا/شوفوني يا اولادي”.
نصوص الزارع الغنائية كان لطلال مداح منها نصيب في أكثر من عمل غنائي منها اغنية سهرانين بالإضافة لبعض الأغنيات الإجتماعية؛ ويظل الزارع الذي ارتبط بالبحر والروشان؛ يطل وان غادر عالمنا في كل رمضان من على متكأ الذكريات لجيل عاش ربوع بلاده من خلال خالد زارع؛ وصوته المعاتب في “كلمة عتاب” يعتذر فيها عن غيابه الحاضر!