الكاتبة والأديبة والفنانة التشكيلية اعتدال عطيوي.. هي حجازية من رأسها حتى أخمص قدميها٬ تشتم في حديثها عبق حارات مكة٬ وأسواق جدة٬ وطيب المدينة٬ عكفت سنوات وسنوات تجمع لهجة أهل الحجاز٬ بعد ما طغت العولمة بكل أدواتها على أجيال بكاملها ومؤخرا صدر لها قاموس” اللهجة الحجازية” وشهد معرض جدة الدولي للكتاب حفل توقيعه٬ وكان لنا مع الباحثة والكاتبة اعتدال عطيوي هذا الحوار..
لماذا قاموس “اللهجة الحجازية”؟
«للكتاب هذا في قلبي ألف حكاية وعيتها مع حليب أمي ونقاء طفولتي٬ وحبوي على وقع تاتا حبة حبة»٬ وترانيم ستي بحكايتها العذبة وهي تضفر شعري٬ وترقصني على أهزوجة صفق صفق يا مرجان٬ إنها اللهجة الجميلة ذات المعاني العميقة٬ المحملة بالأحلام الداهشة٬ واللهجة كما تحيا فهي أيضا تتناثر في عمق التاريخ والتغيرات العميقة التي تحل بالمجتمعات٬ وتغيب تدريجيا٬ ارتأيت أن تسجيلها واجبا حتميا مهما كلفني الأمر من مشقة.
لماذا استغرق إعداد الكتاب كل هذه السنوات؟
استغرق الكتاب بين جمع وإعداد وبحث ومراجعة خمس سنوات٬ لأنه جمع مفردات اللهجة كما كانت تنطق قديما من الاخباريين والاخباريات كبار السن٬ ومن الأبحاث والكتب المتوفرة قدر الإمكان٬ ثم عمدت بعد ذلك إلى شرحها وارجاعها إلى مصادرها اللغوية٬ إذا كانت من الفصحى أو من لهجات أو لغات أخرى٬ باعتبار أن الحجاز بوتقة حضارية انصهرت فيها كثير من الأمم والحضارات٬ منذ سيدنا ابراهيم إلى الآن فتنوعت المصادر كثيرا وتمازجت.
بالإضافة إلى أن جمع الإرث الشفاهي يحتاج الي مجهود جماعي منظم٬ ومراكز بحوث وليس أفراد٬ فإن فعلوا فهذا عمل جبار يأخذ وقتا وجهدا وميزانية ضخمة.
ما التحديات التي واجهتك في إعداد هذا القاموس؟
جمع المصادر لم يكن أمرا سهلا لاعتمادي على كبار السن٬ إضافة إلى ملاحقة الإصدارات القديمة٬ والتي انتهي وجودها٬ والتي لم تكن مخصصة بلهجة ولكن ذكرتها عرضية٬ إضافة الي الأشعار والحكايات التي أصدرها بعض الأدباء قديما مثل أحمد قنديل خاصة وهو شاعر شعبي وله حكايات أيضا وغيره.
وما الهدف من إصداره؟
الهدف من هذا الإصدار حفظ اللهجة الحجازية٬ بثرائها الكبير للأجيال القادمة.
ولكنه اقتصر على اللهجة الحضرية.. لماذا؟
اقتصر القاموس على اللهجة الحضرية التي تتمثل في جدة ومكة والمدينة المنورة فقط٬ لأن الحجاز منطقة كبيرة جدا تقطنها قبائل كثيرة٬ ولكلٍ منها لهجتها الخاصة التي تحتاج إلى رصد خاص بها٬ آمل أن يقوم به أبناء هذا القبائل.
بعد هذا البحث.. برأيك ما سر انتشار اللهجة الحجازية عن سائر اللهجات المحلية والإقليمية؟
المرونة في لهجة الحجاز٬ باعتبارها تمازج حضاري ضخم جعلها سهلة٬ إضافة إلى وجود كثير من الالفاظ والمفردات المتماثلة والمتشابهة مع معظم اللهجات العربية كل ذلك منحها تلك المرونة٬ الأمر الذي يمكن أن نطلق عليه اللهجة البيضاء وهو مصطلح يعني لهجة يفهمها الأغلبية.
إلى أي مدى ترين أن العولمة تهدد احتفاظ الشباب بتاريخهم ولهجاتهم؟
اللهجات تحيا وتموت مثل اللغة تماما وقد ظهرت مفردات جديدة علي يد الأجيال المختلفة٬ ولكن السنوات الأخيرة شهدت انتعاش للمفردات القديمة كنوع من الحنين إلى الماضي وسجلها الشباب على ثيابهم وأدواتهم واستخدمها في الإعلانات واللقطات المسرحية وعدة أنشطة مما دفعهم الي البحث عنها والتمسك بها من جديد.
وآمل أن يقوم أبناء كل قبيلة في كل مناطق المملكة بجمع لهجتهم قبل اندثارها خاصة إنها الاقرب الفصحى.
كلمة للمهتمين بالتراث واللهجات..
قدمت هذا الإرث بعد جهود مضنية استمرت سنوات٬ ولا أجده كاملا كما ارغب فالكمال لله وحده٬ وإن مدنا الله بالعمر والجهد اثريناه بالمزيد وهو بين يدي الباحثين والأجيال أمانة.