حظيت زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع إلى الولايات المتحدة الأمريكية باهتمام عالمي لا مثيل له حيث مثلت نهجاً جديداً من الوضوح والشفافية وقدمت عرضاً مميزاً لمبادرات رؤية المملكة 2030 وما تتيحه من فرص لبلدين اتسمت علاقاتهما بالرسوخ والقوة والعمل المشترك لتعزيز شراكتهما التاريخية الاستراتيجية.
ومثلت منعطفاً نوعياً وتاريخياً لأستكمال خطوات تصحيح صورة المملكة وإنهاء باقي ما ( زُج ) بها من تشويه لتعود إلى صورتها الحقيقية والمشرقة بأمريكا والغرب والعالم .. بصورة المملكة الذكية التي تجمع بين حزم القوة والقيادة للعالم العربي والإسلامي ومنطقة الشرق الأوسط وبين الإصلاح والتجديد والتحديث النوعي بالمبادرات الخلاقه والمواكبة الذكية الأستثمارية لأصول الدولة لأعادة بناء أسسها الأجتماعية والأقتصادية والسياسية والعسكرية بالعلوم والمفاهيم والتقنيات الحديثة والذكية برؤية 2030 ..
والمتابع لما تشهده الساحة الإقليمية والدولية يدرك دون عناء أن العلاقات بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وصلت إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق في هذا العهد الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الذي يقود حملة الإصلاح في المملكة، وليس أدل على ذلك من اختيار ترامب الرياض أولى محطاته الخارجية بعد تقلده منصبه حيث شارك في ثلاث قمم سعودية أمريكية وخليجية أمريكية وعربية إسلامية أمريكية .
ولتلمس بعض معطيات تجذير صورة المملكة الذكية .. نستعرض بعض ما تحقق في الزيارة ..
ففي ظل رؤية 2030 التي ترتكز على عمق المملكة العربي والإسلامي وقدراتها الاستثمارية الضخمة وموقعها الجغرافي الاستراتيجي يضاف إلى هذا تحويل أرامكو من شركة لإنتاج النفط إلى عملاق صناعي يعمل في أنحاء العالم وصندوق الاستثمارات العامة إلى أكبر صندوق سيادي في العالم والعمل على رفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي إلى 65 %،
ورفع نسبة الصادرات غير النفطية للمملكة إلى 50% من الناتج المحلي الإجمالي فأن بلادنا تتطلع إلى مستقبل مبشر وواعد وأكثر إشراقاً ولهذا حرصت أمريكا أقدم الحلفاء للمملكة أن يكون لها دور لا يستهان به في تنفيذ مشاريع الرؤية من خلال تأكيد شراكتها وحلفها في الإطار الاقتصادي على وجه التحديد، من خلال توقيعها على 46 مذكرة تفاهم، شملت 10 قطاعات رئيسية للاستثمارات حددتها الحكومة السعودية في إطار أهداف ومرامي الرؤية.
لقد حرص سمو ولي العهد في مباحثاته الرسمية مع الرئيس الأمريكي ولقاءاته مع المسؤولين والرؤساء التنفيذين ومديري كبرى الشركات وزياراته للجامعات ومراكز الأبحاث في مختلف المدن الأمريكية على التركيز على مبادرات رؤية المملكة 2030 وجهود الإصلاح في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وما يمكن أن تحققه من منافع مشتركة وفرص عمل للطرفين مما كان له عظيم الأثر في توقيع العديد من الاتفاقيات والشراكات الذكية ومذكرات التفاهم والتعاون وبلغ إجمالي الاستثمارات المشتركة بين البلدين 160 مليار دولار،
حيث تم توقيع مذكرة لتأسيس صندوق استثماري في التقنية بين صندوق الاستثمارات العامة وسوفت بنك، يصل حجم مساهمة صندوق الاستثمارات فيه إلى 45 مليار دولار من أصل 100 مليار مستهدفة، وذلك بهدف تنويع استثمارات الصندوق في قطاعات جديدة ذات عوائد مرتفعة، إضافة إلى تعظيم أصوله وبناء شراكات استراتيجية مع الشركات الواعدة، فيما تم توقيع مذكرة لتأسيس صندوق للاستثمار في البنية التحتية الأمريكية من قبل صندوق الاستثمارات العامة وعدد من كبريات صناديق الاستثمار العالمية، باستثمار مشترك يصل إلى 60 مليار دولار، بما يساهم في تحقيق استراتيجية الصندوق بتنويع الاستثمارات المجدية وتحقيق العوائد في إطار أهداف الرؤية التي تهدف لرفع قيمة أصول صندوق الاستثمارات العامة إلى 7 تريليونات ريال بحلول 2030.
كما تم توقيع 6 مذكرات تفاهم في المجال الدفاعي باستثمارات تبلغ قيمتها 128 مليار دولار وتقدر قيمة تلك المتطلبات بمبلغ 110 مليارات دولار سنوياً أي ما يقارب 10 مليارات في كل سنة ضمن الميزانية السنوية لوزارة الدفاع السعودية بجانب مذكرات تفاهم مع شركات رايثيون وبوبينغ ولوكيهيد مارتن وجنرال داينامكس ضمن أهداف الرؤية بتوطين 50% من الإنفاق العسكري بحلول 2030. كما منحت الهيئة العامة للاستثمار تراخيص لعدة شركات أمريكية، كان أولها ترخيص استثماري في القطاع التجاري في المملكة بملكية أجنبية بالكامل لـ(داو كيميكال) بما يتوافق مع أهداف الرؤية بزيادة نسبة الاستثمار الأجنبي من الناتج المحلي إلى 5.7% من 3.8% حالياً.
وفي مجال الطاقة وقعت السعودية اتفاقيات بمبلغ 12 مليار دولار مع جنرال إلكتريك لرفع كفاءة إنتاج الطاقة في المملكة، علما أن الرؤية تهدف لتأمين 9.5 جيجاوات من الطاقة المتجددة بحلول 2023.
كما وقعت أرامكو اتفاقيات مع مجموعة من الشركات الأميركية في قطاع النفط والغاز بقيمة 54 مليار دولار لرفع نسبة المكون المحلي في الصناعات، وزيادة دور الشركات الصغيرة والمتوسطة بما يتماشى مع أهداف الرؤية لرفع نسبة المحتوى المحلي في قطاع النفط والغاز من 40% إلى 75%، ورفع مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة من 20% إلى 35% من إجمالي الناتج المحلي.
من جهتها، وقعت معادن السعودية ثلاث مذكرات تفاهم بمبلغ 6 مليارات دولار مع( Alcoa وMosaic وFluor) لتوسيع قدرة استخراج المعادن في مدينة رأس الخير الصناعية، ضمن أهداف الرؤية برفع مساهمة قطاع التعدين في الناتج المحلي الإجمالي إلى 97 مليار ريال بحلول 2020 وزيادة عدد فرص العمل بالتعدين إلى 90 ألف وظيفة.
وتهدف حزمة الاتفاقيات السعودية الأميركية لتوليد 750 ألف وظيفة مشتركة بين البلدين، علما أن الرؤية المستقبلية للمملكة أكدت أهمية تخفيض معدل البطالة من 11.6% حاليا إلى 7%.
وفي سياق تشجيع الاستثمار بين البلدين شهد منتدى الرؤساء التنفيذيين السعودي الأميركي توقيع 36 مذكرة تفاهم بين عدة شركات بقيمة تزيد على 16 مليار دولار وعقدت أرامكو السعودية اتفاقيات تعاون تجاري مع 14 شركة أمريكية تبلغ قيمتها أكثر من 10 مليارات دولار. ووقعت شركة معادن السعودية 3 مذكرات تعاون مع شركات (Alcoa وMosaic وFluor) لتوسيع قدرة استخراج المعادن، في مدينة رأس الخير الصناعية، ودراسة جدوى في تأسيس مشروع فوسفات 3 وتقديم الخدمات الهندسية لإطلاق قدرات قطاع التعدين، باستثمارات للمذكرات الثلاث تصل إلى 6 مليارات دولار كما وقعت وزارة الصحة عدة اتفاقيات شراكة.
ومنحت الهيئة العامة للاستثمار رخصاً استثمارية لمجموعة من الشركات الأمريكية البالغ عددها 13 شركة، وذلك على هامش أعمال المنتدى في إطار سعي المملكة لتحفيز الشركات العالمية الرائدة لضخ المزيد من الاستثمارات بما يتوافق مع رؤية المملكة 2030، وتعزيز تنافسية البيئة الاستثمارية في المملكة، وجعلها أكثر جاذبية لاستقطاب استثمارات أجنبية أخرى.
الاتحاد السعودي للأمن السيبراني:
وخلال زيارة سمو ولي العهد للولايات المتحدة، أبرم الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة مذكرة تفاهم مع شركة ريثيون ( Raytheon ) المختصة في مجال التقنيات والابتكارات الدفاعية والأمنية والمدنية بهدف تنظيم مسابقات بين الجامعات في الدفاع السيبراني وكذلك إطلاق برنامج “الرياضيات الحية” للمبرمجين وفرص مشاركة صناعية مع الشركة للمختصين السعوديين.
وصرح رئيس مجلس إدارة الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة المستشار سعود القحطاني بأن هذه الاتفاقية ستسهم بشكل فاعل في تطوير قدرات المدرسين وتدريبهم لضمان بناء لبنات قوية في نشر ثقافة الأمن السيبراني والتوعية بأهميته اضافة لإسهام الاتفاقية في التعاون مع الجامعات من خلال إقامة فعاليات ومسابقات مختصة في هذا المجال.
كما وقع الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة مذكرة تفاهم مع شركة (BoozAllenHamilton)، لتقديم استشارات وخدمات في مجال الأمن السيبراني، وإنشاء شراكة بين الجهتين، وعقد فعاليات ومسابقات وأنشطة مشتركة، وتنظيم فعالية كايزن أرابيا في 7 أبريل المقبل سنوياً، وإنشاء مركز ابتكارات مشترك في مجال الأمن السيبراني.
فيما تم الاتفاق مع جامعة (Draper) على توفير فرص ابتعاث إلى الجامعة، وتطوير مقررات مشتركة في الأمن السيبراني والبرمجة، وبناء علاقة استراتيية مع الجامعة. ومثل الاتحاد السيبراني في هذه الاتفاقيات، نيابةً عن معالي المستشار سعود القحطاني رئيس الاتحاد، عبدالله شرف الغامدي نائب الرئيس.
خطة الطاقة الشمسية:
وقع سمو ولي العهد مع السيد ماسايوشي سون، رئيس مجلس الإدارة لصندوق رؤية سوفت بنك مذكرة تفاهم لإنشاء (خطة الطاقة الشمسية 2030) التي تعد الأكبر في العالم في مجال الطاقة الشمسية،
وتشكل الاتفاقية إطاراً جديداً لتطوير قطاع الطاقة الشمسية في السعودية وسيتم بموجبها تأسيس شركة جديدة لتوليد الطاقة الشمسية بإطلاق العمل على محطتين شمسيتين بقدرة 3 جيجاواط و 4.2 جيجاوات بحلول عام 2019 والعمل أيضا على تصنيع وتطوير الالواح الشمسية في السعودية لتوليد الطاقة الشمسية بقدرة ما بين 150 جيجاوات و 200 جيجاوات بحلول 2030.
كما تعد مذكرة التفاهم هذه مكملة لما تم التوقيع عليه مسبقا في مبادرة مستقبل الاستثمار في أكتوبر الماضي. وتشير الاتفاقية إلى أن دراسات الجدوى بين الطرفين حول هذا المشروع ستكتمل بحلول مايو 2018. وتشير الاتفاقية كذلك إلى أن الطرفين ملتزمان باستكشاف تصنيع وتطوير أنظمة تخزين الطاقة الشمسية في السعودية، وتأسيس شركات متخصصة للأبحاث وتطوير الواح الطاقة الشمسية بكميات تجارية في السعودية تسمح بتسويقها محليا وعالميا.
وتشير هذه المذكرة إلى التزام الطرفين بإنتاج الألواح الشمسية بقدرة 200 جيجاوات في السعودية وتوزيعها عالميا بالإضافة إلى استكشاف الفرص المتعلقة بتأسيس صناعات في مجال منظومات توليد الطاقة وبطارياتها في المملكة، والتي من شأنها أن تساعد على دعم تنويع القطاعات وخلق فرص العمل.
كما أنه من المتوقع أن تساعد هذه المذكرة والمشاريع التي ستنتج منها السعودية بتوفير النفط في إنتاج الطاقة في المملكة وهذ من شأنه أن يعزز دور السعودية في إمداد أسواق العالم المحروق في النفط لاسيما وأن الطلب على النفط يتزايد باضطراد مع نضوب الانتاج في بعض المناطق. كما أن هذه المشاريع من المتوقع أن تساهم بما يقدر 100 ألف وظيفة بالسعودية وزيادة الناتج المحلي للسعودية كذلك بما يقدر ب 12 مليار دولار أمريكي ، بالإضافة إلى توفير ما يقدر ب 40 مليار دولار أمريكي سنوياً.
وشهد سمو ولي العهد مع الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيرس التوقيع على البرنامج التنفيذي المشترك بين كل من المملكة العربية السعودية والأمم المتحدة لدعم وتمويل خطة الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية في اليمن للعام (2018)
وتتضمن الاتفاقية تقديم مليار دولار أمريكي من المملكة ودولة الإمارات العربية المتحدة منها 930 مليون دولار لمنظمات الامم المتحدة و70 مليون دولار لتأهيل الموانئ والطرق لزيادة حجم المواد الإغاثية والواردات التجارية.
كما اجتمع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة في نيويورك مع أكثر من 40 مسؤولاً تنفيذياً من الشركات العالمية الكبرى واستعرض خلال الاجتماع ثلاثة مشاريع تنموية كبرى في المملكة العربية السعودية، وهي مشروع (نيوم) ومشروع البحر الأحمر ومشروع القدية مؤكداً على أهمية هذه المشاريع ومساهمتها في الارتقاء بمستقبل المملكة والمنطقة ككل على صعيد الأثر الاقتصادي وتحقيق الرفاه الاجتماعي مع التزام المملكة بالريادة البيئية والاستدامة كجزء لا يتجزأ من الجهود المبذولة في هذا السياق.
وأخيرا ..
ببعض التأمل لبرامج الزيارة وما تضمنته من إتفاقيات وإنجازات لتحويل جزء من مشاريع وخطط ورؤية سمو ولي العهد الى حقيقة ملموسة على أرض الواقع لتعضد مسيرة أحداث التحول والتطوير النوعي المتسارع الذي تعيشه المملكة ..
وتجسد صورة المملكة الذكية التي أوجدها وأشاعها سموه محلياً وعالمياً وتعاطى معها سموه بأعلى مستويات الحنكة والقوة والذكاء السياسي والإقتصادي مع أباطرة الساسه والصناعة والمال والتقنية والعلوم ولغة الأرقام بالولايات المتحدة الأمريكية .