الحلم بإنجاب طفل٬ لم يعد الشغل الشاغل للزوجين٬ لكن كثير من الأزواج والزوجات تحديداً يشغلهن كيفية إنجاب توائم دفعة واحدة٬ حتى لا يذهبن إلى غرفة الولادة مرتين ؛ البعض يرجع هذه “الموضة” الجديدة إلى رهاب غرفة الولادة وصعوبتها٬ والبعض الآخر يؤكد أنها نظرية “وجع ساعة ولا كل ساعة”٬ لكن هذه الأسر والزوجات يغفلن المشاكل الصحية للحمل بتوائم ، وصعوبات تربية عدة أطفال في سن واحد ، وأيضا الاضظرابات النفسية والاجهاد الذي يتعرض له الزوجان والأم بصورة خاصة ، “اقرأ” رصدت في هذا التحقيق حياة أسرة مع التوائم٬ وسألت مختصين عن المخاطر الصحية التي تتعرض لها الأم والاضطرابات النفسية التي قد يتعرض لها الأبوان بسبب “التوائم”.
معاناة أثناء الحمل
للمصور الفوتوغرافي أحمد الهرفي تجربة مثيرة مع التوائم، يقول عن تفاصيلها: رزقنا الله إياهم بعد علاجات بالمنشطات استمرت فترة سنة ونصف تقريبا وبعدها حصل الحمل، ويشير إلى أن : تفاصيل الحياة مع التوأم في البداية كانت صعبة جدا خصوصا قبل ولادتهم لأن الأطباء حذرونا من خطر الحمل بهم على زوجتي، وفعلا عانت زوجتي “عبير” كثيرا٬ ودوري بدأ من وقت حمل زوجتي بهم٬ لأنها كانت ممنوعة من الوقوف إلا للحاجة٬ فكنت أطبخ الأكل وأساعد في أعمال البيت٬ وتم تنويمها بالمستشفى من الأسبوع 15 وحتى الأسبوع 30 وقت الولادة٬
صعوبات مابعد الولادة
وبعد الولادة كانت الصعوبات من نوع آخر؛الأولاد كانوا بحاجة للبقاء في طوارئ المستشفى في مدينة الرياض وزوجتي معهم ، بينما كان عندي دوام في “الدمام” فكنت بعيدا عنهم٬ وبعدما خرجوا جميعا من الحضانات (وكان عمرهم شهر ونصف الشهر تقريبا) انتقلنا لبيتنا بالدمام٬ وكنا نعتني بهم أنا وزوجتي فقط لأن أهلنا كلهم في مدينة الرياض، وأنا وزوجتي لا نحب وجود خادمة معنا في البيت٬ فلم نفكر باستقدام خادمة٬ فكان الاهتمام بالأطفال موزعا بيني وبين زوجتي٬ وكان هذا متعبا جدا أول 6 أشهر٬ خصوصا لو تخيلنا كيف يعتني الأب بنظافتهم واستحمامهم٬ ويجهز الرضاعات ويرضعهم؛ خصوصا الرضاعة لأن الحنجرة عندهم كانت ضعيفة فكانوا “يشرقون” كثيرا من الحليب٬ وعند النوم واحد ينام وواحد يستيقظ٬ بعد الـ 6 شهور تغيرت الأمور للأفضل وصرنا نستمتع بمحاولاتهم للجلوس و”الحبو” وببعض الكلمات التي بدأوا يقولونها.
في عمر 10 شهور سافرنا لأمريكا لأن عندي بعثة دراسية فكان السفر معهم على الطائرة صعب جدا لطول الوقت وعدم وجود عربة معنا على الطائرة.
ويواصل الهرفي : من عمر سنة حتى 3 سنوات استمريت بمعاونة زوجتي رغم أني كنت طالب دراسات عليا٬ لكن كان هذا لازما علي٬ وكان أيضا فيه متعة كبيرة وشعرت بالقرب منهم، وحقيقة كان بيتنا كأنه روضة من لعبهم مع بعض أو لعبهم مع أختهم الكبيرة أريام.
توزيع أدوار
تختلف صعوبات كل مرحلة مع التوائم عن سابقتها٬ كما يؤكد الهرفي٬ ويوضح: حاليا عمرهم 6 سنوات وأختهم 11 سنة وهي أمهم الصغيرة تساعدنا في الاهتمام بهم وتدرسهم وتعلمهم ما علمناها إياه سابقا (آداب الأكل والكلام واللعب واللبس وغيره)، واليوم وبعدما كبروا دوري هو كل ما يتعلق بالدراسة من توصيل للمدرسة والمذاكرة لهم وقراءة القصص ثم الإشراف العام على البيت، أما زوجتي فدورها إدارة البيت والاهتمام بالأولاد في كل شيء غير الدراسة.
مواقف وطرائف
ويقول الهرفي : إن مواقف المتكررة هي تاريخ ميلادهم، فلما أسجلهم بالمستشفى أو المدرسة أو نحجز تذاكر للطائرة دائما يتصلون بنا لتصحيح تاريخ ميلادهم ، ويقولون كررت التاريخ لأربعة من أبناءك بالغلط ؛ لأنهم لا يتصورون أنهم توأم رباعي، ويضيف : كلما خرجنا إلى مكان عام نصف وقتنا كلام مع الناس عنهم لأن منظرهم ملفت للنظر ، خصوصا الأمهات دائما يوقفونا ويسألونا عن الأطفال وكيف نعتني بهم وعن أسماءهم وأعمارهم.
ويذكر أن أطرف المواقف التي لا ينساها عندما كانوا بالمستشفى : لما كنا نروح “نطعمهم” كنت أبقى بالخارج ومعي الأولاد وتدخل زوجتي بواحد تطعمه ثم تدخل بالثاني ، فيرفض الطبيب تطعيمه ويقول لزوجتي “هذا توه تطعم خلاص التطعيم مرة وحدة”، فلما يقتنع ويطعمه لأنه توأم تطلع وتجيب الثالث فالطبيب يخرج من غرفته ويطلع يتأكد بنفسه أنهم توأم رباعي، وأيضا وفي المدرسة: وضعوا كل اثنين بفصل ولكن ما كانوا يعرفون من منهم بأي فصل، فاضطروا أنهم يحطون اسم كل واحد وفصله على صدره لمدة أسبوعين حتى حفظت المعلمات أسماءهم واشكالهم، وأخيرا : لأنهم منذ كان عمرهم 10 شهور وحتى الآن بالخارج ؛ فأكثر ما يضحكنا منهم كلامهم «الملخبط» بين العربي والانجليزي، فصار عندهم كلمات خاصة بهم لا يفهمها من يسمعها لأول مرة مثل: سكولنا : مدرستنا our school ٬ باقي : شنطتي my bag!
تحذير من المنشطات الشعبية
ومن الناحية الطبية تقول الدكتورة حفيظة عبدالكريم تركستاني استشارية النساء والولادة واستاذ مساعد بكلية الطب جامعة الملك سعود للعلوم الصحية: من المعروف أن الحمل بتوائم من الأمور المجهدة بالنسبة للمرأة الحامل٬ ولكن لاحظنا أن كثيرات من السعوديات٬ يرغبن في الحمل بتوائم٬ بل والسعي إليه بكل الوسائل الممكنة٬ ومن أهم العوامل التي تدفعهن لذلك ؛عدم الرغبة في تكرار الحمل والولادة وإكمال عدد أفراد أسرهن بأقصر الطرق٬ وتحقيقا لحلم ورغبة أزواجهن بأن لا يقل عدد أطفالهم عن 6٬ على الرغم من المعاناة٬ فالمرأة الحامل تحدث لها تغيرات فسيولوجية أثناء الحمل وتتضاعف هذه التغيرات بالحمل بأكثر من جنين٬ وتحقيقا لهذه الرغبة يلجأن للحصول على بعض الأدوية المنشطة للتبويض من الصيدليات أو اللجوء إلى الطب الشعبي حيث أن البعض ممن يمارسون الطب الشعبي يضعون في الأعشاب مسحوق الأدوية المنشطة مثل “الكلومين” التي تنشط البويضة وتجعلها تنقسم إلى أكثر من بويضة٬ وكل ذلك دون اللجوء للطبي المختص لاستشارته٬ جاهلة المشاكل التي تحدث بسبب الحمل بتوائم، وتنصح تركستاني “الأم” بأن تأخذ المنشطات تحت اشراف طبي دقيق ، وبتجنب المنشطات الشعبية؛ للحصول على حمل سليم وأطفال أصحاء.
مشاكل الحمل بالتوائم
وتردف تركستاني أن كل امرأة طبيعية سليمة تستطيع الحمل بتوائم٬ لكن عليها تذكر مشاكل الحمل بالتوائم٬ ومنها تعريض نفسها للإجهاض٬ وبالتالي إلى نزيف أو مضاعفات التنظيف٬ ومنها حدوث ثقب في الرحم٬ مما يؤدي إلى نزيف ، ومنها الالتهابات التي تؤدي إلى الالتصاقات وعدم الحمل مستقبلاً٬ كما أنه نتيجة لارتفاع نسبة الهرمونات في جسمها يزداد الإصابة بالغثيان والقيء في بداية الحمل٬ والتعرض للإجهاض او الولادة المبكرة ؛ وبالتالي ولادة إطفال “خدج” يحتاجون إلى عناية فائقة٬ وقد تحدث مضاعفات نتيجة احتياج المولود إلى نسبة عالية من الاكسجين٬ كما ترتفع نسبة الولادة بالقيصرية٬ كما أن الحمل بتوائم أحد أسباب حدوث تشوهات خلقية لأحدهم أو جميعهم.
عناية فائقة
وتؤكد د. تركستاني أن الحمل بتوائم يتطلب عناية فائقة بالمرأة الحامل لتصل هي وأجنتها إلى بر السلام٬حيث تتعرض المرأة الحامل بتوائم إلى الإصابة بفقر الدم وارتفاع ضغط الدم وكذلك السكري٬ وكثير من المشاكل المتعلقة بالرحم مثل حدوث انفصال مشيمي مبكر أو النزيف المتكرر، كما أن الرحم يتمدد حسب عدد الأجنة٬ وهذا التمدد قد يؤدي إلى نزيف بعد الولادة٬ مما يحتاج في بعض الحالات إلى إزالة الرحم لإنقاذ الأم من النزيف وتطالب الراغبات في الحمل بتوائم التفكير جيدا وموازنة الأمور قبل الشروع في ذلك٬ حتى لا تحمل نفسها ما لا طاقة لها به ولا تظلم نفسها وأجنتها، وإذا قررت الحمل بتوائم يجب أن يتم الأمر تحت اشراف طبي ومتابعة الحمل متابعة دقيقة مع استشاري، وأن يؤخذ مقاس البويضات قبل أن يتم التلقيح.
تحقيق المعادلة الاجتماعية
ويوضح الدكتور سهيل عبدالحميد خان استشاري الطب النفسي ومدير إدارة الصحة النفسية والاجتماعية بصحة جدة ٬ الأسباب النفسية التي تدفع بالمرأة للمغامرة بتعريض حياتها للخطر بإنجاب توائم٬ فيقول: بداية لا أظن أنها تحولت إلى ظاهرة٬ ولكن يبدو أن زيادة أعباء الحياة٬ وخروج الزوجين للعمل لتلبية المتطلبات الحياتية٬ جعل إنجاب التوائم ضرورة لدى البعض لتحقيق المعادلة الاجتماعية بتكوين أسرة وفي الوقت نفسه عدم إعادة سيناريو الحمل والولادة وما بعد الولادة من فترة راحة لمرات متعددة أمرا مستساغا٬ فيفضل الأزواج خيار التوائم عن طريق تنشيط التبويض٬ وهذه مدلولات سلوكية وليست ظاهرة.
ويشير خان إلى أنه بالطبع تسبب تربية عدد من الأولاد في العمر نفسه وبالمتطلبات نفسها مشاكل نفسية٬ ويجعل من الاستمتاع بالحياة ضعيفا٬ ويؤثر على المتابعة و”الصرف٬” مما يمثل ضغطا رهيبا على نفسية الزوجين ، وربما يؤثر على التوائم أيضا.
سلوكيات ومزاج
ويؤكد د. خان أنه على المدى البعيد٬ يصطدم الأبوان باختلاف التوائم عن غيرهم من الأطفال؛ فالتوائم لهم سيكولوجية خاصة٬ والتوائم السيامية تحديدا لهم متطلبات وعناية خاصة سلوكية ومزاجية٬ وارتباطهم ببعض٬ وبالتالي قد يكون هناك تنافس٬ وقد يظهر أحدهم أكثر من الآخر في التأثير بالحياة٬ وهذا قد يؤثر سلبا على الشقيق الآخر٬ وقد يكون التنافس إيجابيا ومحفزا للتفوق.
مضاعفات واضطرابات نفسية
ويلفت د. خان إلى وجود ضغوط عديدة نتيجة إنجاب التوائم عن طريق المنشطات٬ والتي تعد مخاطرةو ربما تؤدي إلى إنجاب أكثر من توائم في الحمل الواحد٬ مما يزيد من أعباء الحياة٬ ويستنزف النمو لسائر الأسرة٬ فاذا كانت المرأة تبحث عن الارتياح من حمل 9 شهور٬ لكنها تجلب على نفسها متاعب مضاعفة لسنوات؛ فهي تضحي براحتها النفسية والحياتية٬ و يؤثر على انتاجيتها وعلى مستقبلها بينها وبين زوجها واستقرار الحياة الزوجية.
وينوه إلى أنه مما لا شك فيه أن وجود التوائم يمثل ضغطا على الأبوين٬ وخاصة الأم٬ مما يسبب اضطرابات نفسية كناتج لرد الفعل بشكل تراكمي٬ وقد يعاني منه أحد الأبوين أو كلاهما من اضطراب التكيف الذي قد يكون مزمنا٬ ونوبات الاكتئاب واضطرابات النوم واضطرابات الحياة الجنسية٬ خاصة عند الرجل قد يسبب له نفور من العلاقة الزوجية٬ وقد يلجأ بعض الآباء إلى استخدام مهدئات أو منومات للتغلب على مشاكل النوم٬ مما قد يؤدي إلى ادمان هذه المهدئات فيما بعد٬ وقد تحدث هذه الأعراض بصورة نوبات٬ أو بشكل جزئي٬ وبالتالي تمثل إشكالية حياتية تنعكس على كل أفراد الأسرة.