رائحة المكان المعتقة بعبق من ارث معماري يلف تاريخية جدة، كفيلة بأن تعيدك إلى ماضي لم يمت؛ بل لازال عالقاً في الذاكرة وماثلاً في رواشين جدة وأبوابها ودرجها الخشبي وسقفها المرفوع بأعمدة خشبية تتدلى منه الفوانيس بإضاءتها الخافتة، مركز جميل للأعمال الحرفية “آرت جميل والفن هو جميل”.
لماذا آرت جميل؟
الفكرة لآرت جميل كانت وزالت قائمة على محاولة “اعادة احياء تراث للمنطقة التاريخية، وترسيخ قاعدة لحرفيين يستطيعوا المساهمة في بناء المنطقة بأيدي سعودية”، كما أوضحت فاطمة مازح مديرة البرامج الأكاديمية بآرت جميل مبينة أن البداية للمشروع “كانت عبارة عن ورش عمل بدأت في 2015-2016م. حتى تبلورت فكرة انشاء مركز يعني بالعمل الحرفي ويشجع عليه؛ بالتعاون مع princes school of traditional arts البريطانية، من خلال برنامج دراسي متكامل لمدة عام يبدأ في شهر سبتمبر وينتهي في شهر مايو من كل عام، ينتهي بإقامة معرض لأعمال المتدربات على كافة الخامات”.
وعلى الرغم من أن الكادر التعليمي يقتصر في الوقت الحالي على أساتذة بريطانيين؛ إلا أن التوجه العام لآرت جميل هو تشكيل كادر سعودي من خلال المتدربات أنفسهم في المستقبل القريب كما أوضحت فاطمة مشيرة إلى أن “اعتمدنا على خمسة من المتدربات هنّ خريجات العام الماضي ليكونا معلمات مساعدات في الفترة الحالية للكادر البريطاني؛ وهي أيضاً محاولة لصقل مهارات المتدربات من خلال مساعدتهم للمتدربات الجدد”.
معرض آرت جميل.
اعتماد ارت جميل خامات مختلفة هو بغرض اتاحة الفرصة للمتدربات صقل مواهبهم في أكثر من اتجاه؛ وبالتالي تكوين حصيلة من المشاريع الصغيرة لكل خامة؛ تكون “عبارة عن مراحل مختلفة تجتازها المتدربة للوصول؛ لمشروع التخرج الذي هو في النهاية حصيلة المعلومات والمهارات وورش العمل التي اختبرتها على مدار العام الدراسي؛ الأمر الذي يعمل على صقل مهارة المتدربة بشكل مقنن ومدروس؛ يبرز موهبتها بطريقة أنيقة ومحترفة”؛ كما أبانت هالة أبو زايد مديرة التشغيل في آرت جميل.
التي أوضحت أن المعرض الختامي عادة ما يكون في استقبال كافة شرائح المجتمع؛ مؤكدة على أنه لا يقتصر على مشاريع التخرج؛ بل يتضمن كثيراً تفاصيل خاصة بالمتدربات منها “دفاتر الملاحظات الخاصة بالمتدربة التي تحوي كثيراً تفاصيل للعمل ومخططات صغيرة له في شكله البدائي بالإضافة لبعض الأدوات الخاصة بكل متدربة؛ كونها تعطي انطباع عام عن طريقة تفكير المتدربة والمهارات الخاصة بكل واحدة”.
المهمة الصعبة التي يحملها القائمين على المركز لا تقف عند توفير حرفيين فقط؛ بل هي محاولة لإيجاد سوق عمل للمتدربات وتغيير الصورة الذهنية عن الحرفيين والأعمال الحرفية بشكل عام التي تقف عند حدود الحاجة والعوز والأسر المنتجة كما قالت هالة “المجتمع متعطش بشكل حقيقي لوجود حرفيين ناهيك عن أعمال حرفية متقنة تنبع من ارثنا الحقيقي المعماري والثقافي بشكل عام؛ وهو الأمر الذي جعلنا نعمل على اقامة المعرض بشكل سنوي يتم خلاله عرض هذه الأعمال ومتروك أمر بيعها للمتدربات أنفسهم وبالأسعار التي يحددونها دون تدخل منّا؛ ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل لدينا توجه في المستقبل القريب لفتح متجر صغير داخل المركز يتولى مهمة بيع المعروضات وهو قيد الدراسة”.
مشيرة إلى أن هذا التعطش ليس قصراً على مدينة جدة؛ بل هو على مستوى مناطق المملكة؛ لذلك “لدينا توجه لتوسيع الرقعة الجغرافية للمركز ليغطي بعض المناطق؛ كونا نستقبل متدربات من خارج جدة مثل الرياض وغيرها ولديهم رغبة حقيقية في امتهان العمل الحرفي بشكل محترف وعلى أسس سليمة”.
بين مصير المتدربات وصعوبات تواجه المركز.
أوضحت فاطمة أن آرت جميل تعمل في الوقت الحالي على استكشاف الجهات التي يمكنها الإستفادة من عمل المتدربات وهو مشروع قيد الدراسة؛ مؤكدة أن هناك مبادرات شخصية من المتدربات أنفسهم من خلال التعاون مع بعض الجمعيات الخيرية؛ مشيرة إلى أن عملية التطوير تسير جنباً إلى جنب مع الدراسة دون أن يوقف احدهما الآخر وهو الأمر الذي جعل القائمين على المركز اعتماد مبنى جديد في تاريخية جدة ليكون مخصصاً لورش العمل والإكتفاء بالدروس النظرية داخل المبنى الحالي. من ناحية أخرى أبانت أن واحدة من الصعوبات التي تواجه المركز هي استقطاب الشباب من الذكور؛ بسبب كون البرنامج دراسي لمدة عام كامل يتطلب حضوراً والتزام لكن “نحن نعمل جاهدين على ذلك”!
ويبدو أن هذه ليست الصعوبة الوحيدة بل يأتي توفير الخامات تحدي آخر واجهه المركز في بدايته؛ ما جعل المتدربات يتحملن كلفة احضار الخامات؛ قبل أن ينجح المركز في مواجهة هذا التحدي وتوفير الخامات التي يأتي اغلبها من بريطانيا ويعتبر عبئاً اقتصادياً يتحمله القائمون عليه؛ بالإضافة لكلفة أخرى تجسدها أفران الجبس التي تحتل مساحة داخل اسطبل الخيول لبيت الجمجوم الذي اتخذه آرت جميل مقراً له في تاريخية جدة.