بدر كريم .. أجمل الأصوات الإذاعية في لحظاته الأخيرة
جدة – رانيا الوجيه
الدكتور بدر بن أحمد كريّم إعلامي ومذيع سعودي، وعضو سابق بمجلس الشورى، ولد عام 1355 هـ1935م في محافظة ينبع ، ثم انتقلت عائلته إلى المدينة المنورة وعاش بها سنوات طفولته ، درس القرآن وتفاسيره في حلقات التحفيظ ، وتوفت والدته السيدة «زينب الخطيب» في بواكير صباه، ثم انتقلت عائلته مجددا من المدينة إلى جدة، وبسبب ظروف والده المادية توجه الشاب بدر كريم للعمل لدى أحد تجار البضائع ، بعدها انتقل إلى العمل مع والده في التخليص الجمركي،
ولأن طموحه كان أكبر من إمكانياته المالية في ذلك الوقت، اتجه للبحث عن وظيفة حكومية ، رغم عدم حصوله على شهادات علميه تلبي طموحاته ، وبالتالي سعى للحصول على الابتدائية والمتوسطة والثانوية عن طريق التعليم من المنازل ، وكان المؤهل الدراسي يشغل باله كثيرا ، ومن خلال عمله بالإذاعة أراد ان يكون أستاذ جامعي يحمل شهادة الدكتوراه في يوم ما.
الإذاعة .. حب متبادل
منذ سنواته الأولى، كان بدر كريم يعشق الاستماع إلى الإذاعة، ويميل إلى تقليد أصوات المذيعين، قبل أن يصبح صديقا لبرامج الإذاعة، من خلال برنامج بريد المستمعين، الذي كان يستقبل مشاركات « كريم» باسمه.
من أجمل المواقف التي تدل على عشقه للإعلام والإذاعة تحديداً، أنه طلب يوماً ما من مؤذن المسجد أن يعطيه الميكرفون ليؤذن بصوته ، وكانت تلك التجربة أول اتصال مباشر مع الميكرفون، كما اكتسب ثقافة واسعة بسبب حبه لقراءة الصحف والمجلات والكتب في شتى المجالات ؛ مما شجعه معتمدا على ثقافته المكتسبة في التقدم للإذاعة ليعمل مذيعا ، ونجح في ذلك وبدأ مذيع ربط بين البرامج ، إلى أن تمكن من لفت الانتباه إليه في الإذاعة وخارجها ، مما جعله يحظى بتقديم نشرات الأخبار الإذاعية .
السيرة العلمية والعملية
عمل عام 1954م موظفا بجوازات محافظة جدة، ثم مراقباً للمطبوعات بالمديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر عام 1957م، بعدها عمل مذيعاً بالإذاعة السعودية، حيث أعد وقدم بعض البرامج الإذاعية ، ثم المتلفزة، عين عام 1980م مديراً عاماً للإذاعة السعودية، وشغل منصب مدير عام مؤسسة مروى للعلاقات العامة والإعلام والإنتاج الإعلامي، ثم مديراً عاماً لوكالة الأنباء السعودية،
كما عمل محاضراً في قسم الإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، حصل على الماجستير في علم الاجتماع من جامعة الملك عبد العزيز عام 1986م، ثم على شهادة الدكتوراة، اختير عام 2001م عضواً بمجلس الشورى السعودي، رأس الوفد الإعلامي الذي تابع زيارات الملك فيصل بن عبد العزيز، وكان عضواً بالجمعية السعودية للإعلام والاتصال، وعضواً بمجلس إدارة جمعية الأمير فهد بن سلمان بن عبد العزيز الخيرية لرعاية مرضى الفشل الكلوي، ورئيساً لمركز غزوة للدراسات والاستشارات.
مؤلفاته وإنجازاته
من أهم مؤلفاته كتاب( سنوات مع الفيصل) ؛ الذي روى فيه ذكريات ومواقف إعلامية له مع الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود، على مدى 11 عاماً أمضاها بدر بن كريم في متابعة النشاطات الإعلامية الرسمية للملك فيصل داخل المملكة وخارجها، تارة مذيعاً، وأخرى رئيساً للوفد الإعلامي ، كما صدرت له كتب «أتذكر» و»قراءة في فلك الإعلام» و»الكلمة المسموعة» و»نشأة وتطور الإذاعة في المجتمع السعودي» و»دور المذياع في تغيير العادات والقيم في المجتمع السعودي» و»الإعلام أدوار ومسؤوليات»، بالإضافة إلى بحوثً إعلامية واجتماعية، كما كان يسهم بكتابة مقالات اجتماعيه وإعلامية في بعض الصحف والمجلات السعودية.
يفضل الصمت على الكلام
ويروي نجله دكتور أيمن استشاري الأمراض الصدرية واضطرابات النوم: حديثي عن والدي حديث لا يخلو من الشجون والمشاعر الجياشة، فقد كان بالنسبة لي أكبر قيمة عاطفية في حياتي، وفقدتُ برحيله المعلّم والصديق والسند والقدوة ، وهو الشخص الوحيد الذي كنت أتواصل معه بصورة يومية رغم انشغاله ، وإن تأخرت في تواصلي معه، يتصل بي للاطمئنان، وقد كان رحمه الله يفضل الصمت على الكلام، والتفكّر والتأمل على مُـخالطة الناس ، إلا في الخير وأداء الواجبات، ولا أخفي أنه عانى من الإحباط في آخر سنوات عمره، لأسباب يصعب شرحها في هذه العجالة، إلا أن الأوضاع الاجتماعية والإعلامية كانت أكبر شاغل له في حياته.
حب اللغة العربية والعصامية
ويضيف أيمن: أيضا تعلّمت من والدي حب اللغة العربية واحترامها ، والاهتمام بقواعدها وأصولها، وكتابة مقالات الرأي بنوع من الـحِرفية والتوازن، والإيجاز في المعاني المراد إيصالها للمتلقّي بأقل عدد من الكلمات، كما كان معلّمي الأول في العصامية والاعتماد على القدرات الذاتية ، وتعلّم المهارات الإنسانية والمهنية وتطويرها، ومثال يحتذى به في اتباع سلوكيات الذوق العام والتحلّي بالتصرفات اللائقة مع الناس، واختيار الكلمات غير الجارحة حتى في المواقف المشحونة بالعواطف، وهو قد أعطى لي الأمثلة المتكرر في الكرم والإحسان للناس بالمال والقول.
لحظاته الأخيرة
ويقول نجله أحمد : كنت مرافقاً لوالدي في أيامه الأخيرة ، حتى وفاته صباح يوم السبت 25 شعبان 1436 هـ13 حزيران 2015م، في الرياض بعد صراع مع المرض، كان يقضي أوقاته الأخيرة ، كما بدأ أوائل حياته في قراءة القرآن والدعاء والاستغفار، اختي الصغرى عزوه هي الأقرب إلى قلبه ؛ كونها الابنة الوحيدة ، ومن المحزن جدا أنه لم يسعفها الوقت لوداعه في تلك اللحظات ؛ حيث كانت في الطائرة عائدة من أمريكا، وكان يوصي دائما حتى آخر لحظة في حياته بالعلم والتعلم ، والسعي وراء عمل الخير والاحسان ، حيث اكمل الوالد الدكتوراه بعد التقاعد ؛ وهذا خير برهان على تعلقه بالعلم والمعرفة الذي لا يوقفه سن معين، ويضيف أحمد كريم : اكتشفنا بعد وفاة الوالد من خلال كمية الاتصالات التي تلقيناها من عدة جمعيات خيرية، أنه كان يخصص شهرية محددة لدعم تلك الجمعيات.
كتبه وأبحاثه مراجع للإعلاميين
قول عبدالرحمن الهزاع: «كانت معرفتي بالدكتور بدر كريم من تسعينات القرن المنصرم ، حينما كان مسؤولاً عن المذيعين في إذاعة جدة، وامتدت صداقتي معه لأعوام طويلة، عملنا سوياً إبان أزمة الكويت، وبهرني نشاطه ومثابرته واهتمامه بإخراج مادة إعلامية مميزة»، لافتاً إلى أن الفقيد لديه إصدارات ومؤلفات تعد مرجعاً أساسياً لكل إعلامي.
«الساحة» فقدت قامة كبيرة
ويقول المشرف العام على «القناة الثقافية» عبدالعزيز العيد إن الساحة الإعلامية برحيل الدكتور بدر كريم فقدت قامة كبيرة، وجزءاً من تاريخ الإعلام، وأحد الرواد الأوائل الذين مهدوا الطريق للأجيال التالية ، وأنه من الأشخاص الذين أسسوا للبدايات الإعلامية، خصوصاً في مجال الإذاعة، ويضيف : «كان حصوله على الدكتوراة نموذجاً للكفاح، وإن تلقي العلم لا يتوقف عند سن معين، فكان له الخياران الإعلام والعلم»، ويشير إلى أن الفقيد كان يهتم ويعتني حتى بأصغر الأمور ولا يجعلها تغيب عن نظره :«تعلمت منه الكثير في محاضراته وندواته في الأندية الأدبية».