أحمد عبدالغفورعطار رائد من رواد الصحافة والفكر والأدب في المملكة والوطن العربي ، صاحب مسيرة حافلة ، أسس صحيفة عكاظ وعدة مجلات وصحف أخرى، كرس حياته للدفاع عن الإسلام واللغة العربية وقضايا وطنه وأمته ، حصل على جائزة الدولة السعودية ونال تكريمات عربية عديدة ،
واعترفت بإنجازته أكبر دور النشر البريطانية ، اشتهر عطار بقلم “البوص” الذي كان يكتب به عناوين كتبه ومؤلفاته بالحبر الشيني الذي كان يطلبه خصيصاً لذلك الغرض، عطار شاهد على سمو أخلاق وكرم وتواضع الملك المؤسس رحمه الله ، ويدين عطار للملك فيصل بكثير من الفضل في تشجيعه ومساندته في أوقات المحن ، ورغم بعض الصعاب التي واجهته إلا أنه كان دوما متسامحا ولم يحمل قلبه ضغينة أو كرهاً ، نلقي الضوء في السطور التالية على ومضات من مسيرة الراحل الكريم.
· النشأة ودور الوالد
ولد عطار في منطقة جبل الكعبة المطلة على الحرم المكي الشريف في عام 1334هـ، ونشأ في حي المسفلة العريق، منذ طفولته كان تواقا للعلم والمعرفة ، استقى الشغف بالعلم والأدب من والده عبد الغفورعطار أحد علماء الكتاب والسنة والدارس للمذهب الحنفي ، كما أنه كان من تجار العطور والمنسوجات الحريرية والعمائم ، وقد استفاد عبد الغفور عطار من أسفاره في معرفة ثقافات الشعوب و تعهد ابنائه بالعلم والمعرفة.
· الوالدة.. المعلمة الأولى
بدأت رحلة أحمد عبد الغفور عطار العلمية علي يد «والدته»، وكان هذا حال الكثيرون ، اختصر 3 سنوات دراسية في عام واحد، عشق القراءة والاطلاع والكتابة لدرجة كبيرة، كان حلو الحديث يميل إلى الفكاهة المؤدبة ، متزن معتدل في آراءه حكيماً في رأيه سديداً في المشورة, ذو علم مكين وثقافة متنوعة شاملة ، يساعد المحتاج على قضاء حوائجه , حياته لم تكن مفروشة بالزهور كما يعتقد البعض ، بل كان يتخللها الكثير من الأشواك المدببة.
· الالتحاق بالمعهد العلمي
بدأ أحمد عبد الغفور عطار مسيرته في مجلة «الشباب الناهض»، حيث تلقى أبجدية الكتابة، ومنها انتقل لحلقات العلم في الحرم المكي ، وفي عام 1343هـ التحق بمدرسة الفائزين في السنة التحضيرية ، وقد تمكن خلال العام نفسه من حفظ كامل القرآن الكريم على يدي معلمه الشيخ عبد الغفور قاري ، بعدها استطاع اتمام السنة الأولى والثانية والثالثة بالمدرسة خلال عدة أشهر ، والتحق بمدرسة “الفلاح”، ومن معلميه في تلك المرحلة الشيخ أحمد فودة،
وبعدها التحق بمدرسة “المسعى”، وخلال تلك الفترة توفي والده، وتولت والدته مسؤولية تشجيعه لمواصلة دراسته والنهل من بحور المعرفة، وبعدما اكمل المرحلة الابتدائية بمدرسة المسعى التحق بالمعهد العلمي السعودي الذي انشأه الملك عبد العزيز، وكان أول مدرسة على النظام الحديث في المنطقة ، وقد انفردت بتدريس التربية، وقد زامله في المعهد كلا من عبد العزيز الفضل وعلي الخويطر وعبدالمحسن السويل وإبراهيم السويل والسيد محمد نائب الحرم.
· مكافأة الملك المؤسس
كانت رحلته وزملاءه مع التحصيل صعبة للغاية نظراً للظروف المادية وقتها ؛ حتى انه كان يستذكر دروسه على ضوء السراج ، إلا أن ما ساعده وزملاؤه أثناء الدراسة في المعهد تخصيص الملك عبد العزيز ، مكافأة قدرها جنيهان ذهبيان لكل طالب لتعينه على أمور حياته.
· «كتابي» وزيارة الملك فيصل
كان عطار منذ صغره مغرما بالعمل الصحفي ، وقد كانت هناك مجلة تصدر محلياً تسمى “الرسالة” حفزته على اصدار مجلة اطلق عليها اسم “الشباب الناهض” ، كان يقوم بجمعها وتحريرها يدوياً بمساعدة زملائه في المعهد، ولأن مجلة “الشباب الناهض” كانت تحمل مقالات عديدة فقد جمعها عطار في أول كتاب له ، وهو ما زال على مقاعد الدراسة واسماه “كتابي” ، وفي ذلك الوقت زار الملك فيصل المعهد العلمي حينما كان أميراً للحجاز ،
وخلال الزيارة ألقى عطار كلمة مرتجلة ، وقدم للملك فيصل مؤلفه الأول فاطلع عليه وأعجب بتلك المبادرة واصدر تعليماته لطباعة “300” نسخة من الكتاب في مطبعة الحكومة في مكة المكرمة ، كان ذلك عام 1354هـ، ولم يتوقف شغف العطار بالعلم من يومها ، ودفعه عدم وجود معاهد عليا أو كليات إلى تقديمه وزملاؤه اقتراحا إلى مدير المعهد الشيخ إبراهيم الشوري بافتتاح كلية للاداب ، واستحسن الشيخ الفكرة ونقلها إلى الأمير فيصل.
· تأسيس صحيفة عكاظ
في عام 1379 هـ أسس عطار صحيفة عكاظ السعودية ، وكان رئيس تحريرها فترة من الزمن حتى خضعت الصحافة لنظام المؤسسات، وأسس ورأس تحرير مجلة ” كلمة الحق ” ، وأصدر منها 4 أعداد شهرية وأوقف إصدارها للظروف المالية التي واجهتها ، وأنشأ مطبعة حديثة لطباعة جريدته عكاظ ، فلما ألغيت صحافة الأفراد لتقوم صحف المؤسسات، أنشأ مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر، وما تزال الجريدة تصدر وتذكر في كل عدد جملة ” أسسها أحمد عبد الغفور عطار” ، كما فكر في تأسيس دار للطباعة والنشر وحصل على رخصتها رسميا تحت اسم ” دار النشر للعطار ” عام 1405 هـ، كما شغل منصب مستشار بالديوان الملكي ، و عمل رئيساً لمجلس إدارة مؤسسة عكاظ.
· «وشاية» تتسبب بسجنه 9أشهر
في كتاب (بين السجن والمنفى) يروي عطار قصة اعتقاله 9 أشهر عام 1936م ، قضاها في سجن “الفرن” في مكة المكرمة ، ثم في سجن المصمك في الرياض بسبب وشاية ، وحين ثبتت براءة عطار من التهمة المنسوبة إليه، وهي الكتابة ضد المملكة في الصحف المصرية آنذاك أمر الملك عبدالعزيز آل سعود بإطلاق سراحه وتقديره، ومن طرائف السجن، أن عطار وهو معتقل في سجن المصمك ، كتب مقدمة كتاب وكيل السجن عبدالعزيز الأحيدب عن الشعر النبطي ، كما أنه استاء من الإمام الذي استقدمته الإدارة للسجناء بسبب أخطائه الشرعية واللغوية، فاجتمع به مرة لتصحيح زلاته.
· سائق على مائدة الملك
ذات يوم زار عطار جار له يعمل سائقاً هو عبداللطيف خان ، وكان عطار على مائدة غداء الملك عبد العزيز ، فأذن الملك المؤسس للسائق البسيط في الانضمام للجمع ، ويتحدث عطار في أحد كتبه عن سمو أخلاق الملك المؤسس ، وسماحه لسائق سيارة نقل لشركة أهلية ومن العامة الأميين بأن يجلس إلى مائدة الملك يأكل معه، ثم يتحدث إليه ويطلب زيارته، فيجيبه الملك ويوصي به، وإذا كان الملك العظيم بهذه الديمقراطية والسمو الإنساني، فليس غريباً أن يربي أبناءه على الأخلاق الكريمة.
· سمو أخلاقه
يقول عطار في مقدمة كتابه: “إن هذا الكتاب، كتاب ذكريات يصوّر فترة من حياتي عشتها خلف أبواب متينة مغلقة لا تفتح إلا نادراً، ووراء جدار كجدار السدود”، ويضيف متحدثاً عن الواشين به: “أعلن بصدق وإخلاص وصفاء قلب وحسن نية أنني لست بحاقد على من كذبوا عليّ، وكان بهتانهم سبب سجني ونفيي، وأشهد الله أنني سامحتهم لوجهه الكريم”، وعن إهداء الكتاب يقول : “لو كان الملك فيصل حياً لأهديت إليه الكتاب، فهو صاحب الفضل في إطلاق سراحي، فهو أجدر من يهدى إليه، وأنا أهديه إليه، لأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون”.
·جوائز وتكريمات
تلقى عطار دعوة من الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة لزيارة تونس وتم تكريمه، وتم منحه ميدالية البطولة ولقب رئيس التحرير الفخري لجريدة “سنترال ديلي نيوز”، كما كرمه الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، وكرمه المجمع العلمي العراقي كمفكر وعالم وأديب، وحصل على عضوية المجمع العلمي السوري وعضوية “التآزر والشرف” لذات المجمع، وحصل آخر كتاباته عن احتلال العراق للكويت على وثيقة التقدير الذهبية من رابطة الأدب الحديث نظيرأعماله الأدبية واثرائه ساحة الفكر والأدب ، كما طلبت دار النشر البريطانية “هاتشرد” حقوق نشر مؤلفاته وإعادة اصدار النافذ منها ، وتعتبر الدار من أعرق دور النشر في العالم.
· جائزة الدولة
على الصعيد المحلي حصل على ميدالية الاستحقاق تقديراً لإنتاجه الفكري، وفي عام 1404هـ كرمه الملك فهد بن عبد العزيز بجائزة الدولة في الأدب ، وقد كرم معه كل من الأمير عبد الله الفيصل والشاعر طاهر زمخشري، و حصل كلا منهم على ميدالية لإنجازاته في اثراء الساحة المحلية بالأعمال الإبداعية، كما كرمه الأمير نايف بن عبد العزيز بشهادة من الدرجة الأولى تقديراً لخدمته في الأمن العام في بداية حياته.
· قلم «البوص»
في عام 1400هـ كان الآديب أحمد عطار في قبرص ، حينما تعرض لجلطة حادة في المخ ، وعجز عن حمل قلمه ليخط به أفكاره ، فكانت زوجته تكتب ما يمليه عليها من أفكار ومقالات ، وقد كان عطار ذا خط بديع ، وله مجموعة من اقلام “”البوص”” ، التي كان يكتب بها عناوين كتبه ومؤلفاته بالحبر الشيني الذي كان يطلبه خصيصاً لذلك الغرض، ولما تماثل للشفاء بعد شهرين من أزمة المرض بدأ يسترد عافيته رويداً رويداً ، ورغم مرضه إلا أنه ظل مدافعاً قوياً عن الإسلام واللغة العربية ، و كان في ركض دائم بين الكتابة والمشاركة في المنتديات المختلفة منها ؛ نادي جازان الأدبي ونادي مكة الثقافي ونادي الوحدة الرياضي ، حيث تم تكريمه في كافة هذه المرافق التي كان يحضرها رغم مرضه.
· نهاية الرحلة
توفي أحمد عبدالغفورعطار في جدة ، يوم الجمعة 17 رجب عام 1411هـ عن عمر يناهز 77 عاماً، بعد مسيرة حافلة بالعطاء في الصحافة والفكر والأدب ، والدفاع عن الإسلام واللغة العربية.