بقلم/هبه عبد العزيز.
ضحيت عمرى للروابى والسواقى الناعبة.
فى غنوة العصفور أنات لروحى الشائبة.
فى جدول روته عينى بالدموع السابغة.
عبرات أجدادى أراها فى فؤادى راسبة.
فى ثورة أحنو عليها بالوعود الكاذبة.
كالشهوة العذراء تكبتها ضلوع الراهبة.
كالهرة العجفاء تعيشها الشموس الغاربة.
لا بل كحلم الليث تنكره الثعالب واثبة.
إنها «دموع فلاح» …. هذه القصيدة التى نشرتها مجلة «الفجر الجديد» فى عددها الصادر فى أغسطس 1945م , وكان قد كتبها الراحل «محمد خليل قاسم» الكاتب والشاعر والمترجم والذى يعد رائدا للأدب النوبى, إنه « قاسم « المثقف المظلوم حيا وميتا, صاحب الرواية الرائعة الشهيرة «الشمندورة» والتى خط أحرفها فى أوائل الستينات على ورق (البفره) بقلم (الكوبيه) داخل معتقل الواحات …
وتحولت فيما بعد إلى مسلسل إذاعى, وكم أتمنى أن تتحول تلك الرواية الآن الى عمل فنى سواء فى التلفزيون أو فى السينما, أو حتى أضعف الأمانى بأن تتبنى إحدى المحطات الإذاعية إعادة إذاعتها مجددا لنا, فنستمع ونستمتع بتفاصيل بعدت عنا وبعدنا عنها كثيرا, ففى ظنى أن الإطلاع على مثل هذه النوعية من الروايات أمر هام جدا وبخاصة لأبناننا من الأجيال الجديدة حتى تصبح صلتهم بتاريخهم حميمة ومعرفتهم بالأفكار وثيقة, وكما ذكرت من قبل فى أحد مقالاتى السابقة أن للتاريخ قوانين, وأن تلك القوانين تعمل أحكامها إذا تجمعت العوامل و العناصر التى تستدعى مثل هذه الأحكام, وأنه عن طريق استقراء قوانين التاريخ, يصبح علم «التاريخ» هو علم الماضى و الحاضر والمستقبل.
وقد يتسائل البعض .. ما الذى دعانى للكتابة عن «خليل قاسم» أو ما الذى ذكرنى به الآن؟! ..
ودعونى أجيب على هذا التساؤل الإفتراضى … : فهناك سببان … أحدهما هو …اننى كنت فى رحلة قصيرة لجنوب مصر الأسبوع الماضى, وحرصت خلالها على زيارة بلاد طيبة, النوبة القريبة والحبيبة كما غنى لها الجنوبى أسمر اللون «محمد منير»… وعلى ضفاف النيل كنت أتحدث مع الريس «على» المراكبى وسألته حينها : ….وإنت منين بقى ياريس «على»؟ ورد على قائلا: أنا من «قتة».
ورددت أنا : يااااااه … قرية «قتة» بلد «خليل قاسم» مؤلف رواية «الشمندورة»… ديه أول رواية نوبية فى الأدب المصرى…وبتلقائية لاقيت نفسى بقوله: إنت تعرف يا ريس «على» إن الرواية ديه مش بس مهمة لأنها أول الروايات النوبية ولكن لأنها كمان من أغنى وأخصب الأعمال فى أدبنا المعاصر… وفجأة قطعت كلامى فجاءة …
فقد خشيت أن أكون قد أثقلت على علي الريس «على» بجملتى التى خرجت بعفوية حول «قاسم» وروايته الأدبية, فهو رجل مراكبى بسيط ظننت أن أهم ما يشغله فى الحياة هو( لقمة العيش)!… ولكنه بادرنى بهذا الرد : ده حياته كانت رواية لوحدها يا أستاذة … طريقه لنفسه كان هو طريقه لخدمة الناس!…..
ولحديثنا بقية….