عبارة اعتاد الناس أن يطلقوها ويرددوها في غير موضعها؛ حيث تستخدم لدى أغلبنا “وكنت أنا منهم” بمعنى المرور العابر والسريع الذي لا يترك أثرًا نافعًا خلفه، إلى أن فهمت معناها على حقيقته بمناسبة واقعة حدثت لي مؤخرًا، وتعرضت فيها “لمرور ضار” أو مرور الكرام بمعناه المغلوط والشائع للأسف.
هل سافر أحدنا بفكره ودقق بمعنى مرور الكرام؟
دعونا نبدأ رحلتنا في القرآن الكريم، حيث قال الحق سبحانه وتعالى في محكم التنزيل (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) آية (72) سورة الفرقان.
كم هو رائع هذا الوصف الرباني للذين لا يشهدون الزور: وإذا مروا باللغو مروا كرامًا؛ أي ترفعوا عنه ولم يعيروه اهتمامًا لعظم قدرهم ورفعة مكانتهم، وهل لنا تخيل أن كريمًا مر بمكان: كيف سيكون مروره؟ وكيف سيترك أثرًا نافعًا؟ فعندما ننصح بعضنا البعض نقول: كن كالمطر أينما وقع نفع؛ فهذا هو مرور الكرام: ترفع عن توافه الأمور ووقع نافع في الاشياء المفيدة.
قبل أيام قليلة استيقظت على كم هائل من الاتصالات، والتي لم يسعني الرد على معظمها، كان رنين الجوال لا يتوقف، وكأن سيل جارف من أعلى جبل أصاب هاتفي بكمية هائلة من الرسائل وعلى كل وسيلة إلكترونية سخرها الله لنا، والجميع يسألني: هل فيديو “كاميليا” يخصك؟ فالسيدة الموجودة بالفيديو تدعي أنها أنتِ، وشاهدت الفيديو الذي يحكي عن فتاة في سن المراهقة اسمها كاسمي، وهي تبكي بكل آسى وحزن على وفاة كلبتها “كاميليا”، والتي اتضح لها بأن هناك من أعطاها السم.. فماتت مسمومة.
بعد أن شاهد الكثيرين هذا الفيديو كانت ردود الفعل تختلف من شخص لآخر؛ منهم من لم يلق بالأ وترفع عن الإدلاء بأي تصريح أو تجريح ولم يفكر في التحقق: هل هي الإعلامية التي نعرفها أم مجرد تشابه اسماء، والبعض الآخر استفسر باستحياء؛ فقط لمجرد الإثبات لغيره بأن التي في الفيديو ليست “أنا” ليكسب الرهان مع أصدقائه، والبعض الآخر لم يتوان لحظة عن التهكم والسخرية والسب والشتم والقذف والدعاء بالشر وكأنها أَزِفَتِ الْآزِفَةُ.. وعندما تحققوا بأن صاحبة الفيديو ليست “أنا”؛ منهم من قدم اعتذاره وسامحته، ومنهم من أخذ منحنى آخر في التشكيك.. ما علينا.
ولكي أرد على تلك الهجمات، أطلقت فيديو أوضح فيه بأن ما نشر عن كاميليا لا يخص شخصي، لا من قريب ولا من بعيد، وأن لدي رسالة في حياتي أهم من تربية الكلاب، وانتشر هذا الفيديو كالنار في الهشيم، واجتاح خارج الحدود.. عجبي.
عندما انتهت تلك الزوبعة جلست أتأمل: ما الذي حدث؟. ولست أدافع عن الفتاة، ولكنها لم تفعل شيئًا سوى أن رحمتها وحبها للحيوان فاق كل شيء، ونسينا حديث المرأة التي دخلت النار بسبب حبسها لهرة، ونسينا الرجل الذي سقى الكلب وأنقذه من الموت ودخل بهذ العمل الجنة، وبالفعل لا أعلم ما الذي أثار حفيظة الغالبية وحدث ما حدث.
وهنا تساؤل بسيط: ألا تعتقدون أن مرور الكرام هنا.. كان أجدر بنا؟.
دمتم كرامًا.
منال فيصل الشريف
manal@albiladdaily.com