البحث عن الاستقرار النفسي والاجتماعي من أهم الغايات والاحتياجات التي يسعى كل إنسان لتلبيتها، واللقاء بشريك الحياة والارتباط به وتكوين الأسرة أساس الاستقرار والأمن العاطفي والتكامل الوجداني لكل إنسان؛ رجلًا كان أو امرأة، لكن اليوم طرأت أمورًا كثيرةً تقف عائقًا بين الشباب من الجنسين وعملية الزواج والارتباط، وتحول بينهم وبين تحقيق هذه الغاية العظمى، والمؤسف أن تكون هذه العوائق نتيجة تراكم العادات والتقاليد البالية، وضغوط المجتمع، والظروف الاقتصادية والعوامل النفسية وأسبابًا أخرى.
نلتقي هنا بمجموعة من الشباب والشابات ونستطلع آرائهم حول الأمور التي شكّلت عوائقًا لهم، وتسببت في صعوبات منعتهم من الارتباط، أو كانت عوامل ضاغطة دفعتهم لتأجيل زواجهم، كما نحتكم في النهاية لرأي مستشارة أسرية وتربوية في أسباب انتشار الظاهرة وطرق علاجها.
عملية مقامرة
يحكي «محمد عبدالرحمن» متأزمًا في وصف الوضع الراهن للشباب، يقول: في العادة لا يختار الشاب من سيتزوج، وتكون الفتاة من اختيار أهله والتي من الممكن أن يكون أُجبِر عليها لأسباب كثيرة، فيخاف أن يرتبط بأخرى خشية ألا يجد الرضا في حياته؛ لأن أهله قرنوا رضاهم بمن يفضلونها.فيتزوج من اختيرت ليه، ويتفاجأ بأن شخصياتهما لا تتوافق، ولا تحدث الألفة، ويحدث الاضطراب في العلاقة والمشاكل التي قد تنتهي بالطلاق.
كما ينتقد المهور المبالغ فيها، والتكاليف المرتفعة للمناسبات، ويصف فكرة جمع المال لسنوات والزواج من واحدة لا يعرفها بـ»المقامرة»!.
من قلب المعاناة
ويستعد «عبدالرحمن» حاليًا لإجراءات الزواج، ويحكي من واقع المعاناة عن غلاء المهر، وإيجار قاعات الأفراح، والتجهيزات للقاعة، إضافة إلى تكاليف السفر وغلاء مستوى المعيشة.. الخ.
يرفضن الأجنبي!
وتحكي «ريم أحمد» أنها تعاني من رفض عائلتها لشخص ترغب بالزواج منه لأنه أجنبي (جنسية عربية) ومن مواليد السعودية، وتقول إنهم يرفضونه رغم قدرته المالية ومميزاته الكثيرة بسبب الجنسية، وتتساءل: هل هذا سبب كافٍ للرفض؟
ريم أحمد: الزوج الأجنبي يُرفض مهما كانت مميزاته!
الأمان الوظيفي
ويقول «عيد» إن غياب الأمان الوظيفي من أهم الأسباب التي تجعل الشاب غير قادر على تحديد هل هذا الوقت مناسب للزواج أم لا؟!
عيد:
غياب الأمان الوظيفي أهم أسباب تأجيل الزواج
صعوبة الاختيار
ويقول «محمد الحسن» إن اختيار البنت من وجهة نظره من أصعب الأمور التي تعيق الزواج، فهو يحرص على اختيار التي لم يسبق لها الزواج، ويبحث عن التربية الصالحة، والراغبة في الاستقرار وتحمل تقلبات الحياة، وأن تكون من عائلة طيبة.
«سوبر مان»
ويقول نواف إن أبرز الصعوبات تتمثل في عقلية المجتمع، الذي يتوقع من الشاب أن يكون «سوبر مان» قادر على توفير كل المتطلبات للفتاة، ويرى أن هذا يعود لنقص التوعية والثقافة، ولذلك نجد أن معدلات الطلاق مرتفعة.
كما يشدد على أهمية الأمان الوظيفي، فالكثير يعملون على عقود مؤقتة ولا يعرفون مصيرهم، ولا يستطيعون أخذ القروض، وهذه كلها معوقات أمام الشاب المقبل على الزواج.
يرفضن التغيير
وتأتي أزمة «رولا ثامر» فتحكي بعد تجربة أن الشاب المتقدم في البداية يقبل عروسته كما هي ويرضى بها، وبعد العقد عليها تتبدل الأمور وكأنه لم يعرفها، فيبدأ بفرض رأيه ويحاول تغييرها وتتغير متطلباته في شكلها وشؤون حياتها، وتبدأ المشكلة هنا في حين أن معظم البنات يرفضن هذا التغيير!
فتيات صعب إيجادهن
ويرى «عاصم» أن القدرة المالية تشكل عائقًا أمام كل شاب، مثل توفر المسكن وارتفاع أسعار الشقق السكنية، والأهم هو أن يقبل أهل الفتاة بك، أو يوافقون على أن تسكن معك في بيت العائلة، ويؤكد على أن هناك فتيات يبحثن عن «الستر» ويرضين بالزواج دون الشروط المبالغ فيها، لكن من النادر إيجادهن!
عاصم:
من النادر إيجاد الفتيات غير المبالغات بالشروط
تحكيم الخبرة
من جانبها أولت المستشار الأسري والتربوي بثينة باعباد اهتمامًا كبيرًا بالموضوع، وشددت على استشعار أهمية الزواج وعدم الاستهانة به، وضرورة معرفة الهدف من الإقبال عليه «لم أنا سأتزوج؟».
تقول باعباد إن المجتمع من شباب وشابات وأهالي بحاجة للتثقيف ونشر الوعي عن ثقافة الزواج الصحيح.
وفيما يخص مشاكل الشباب المطروحة، تؤكد أن هذه من الثقافات والأمور المغلوطة لدى المجتمع، والتي يسعون لحلها في الدورات المعدة للتوعية قبل الزواج.
بثينة باعباد: المجتمع بحاجة للتثقيف عن ثقافة الزواج الصحيح
أهمية التعارف
وتقول عن اختيار الأهل للفتاة، دائمًا هناك فترة مهمة للتعارف بين الشاب والفتاة تكون في حدود الشرع ولابد من علم الأهل بها، ليتعارفا ويقوما بالقياس ومعرفة هل هذا هو الشريك المناسب لي؟
التخفيف والتيسير
وتضيف باعباد أنه بخصوص المهور الغالية، على الأهالي أن ييسروا ولا يعسروا لأن ديننا هو دين اليسر، والمغالاة من الثقافات المغلوطة التي من الواجب أن تقل، ودائمًا يجب أن يكون الطلب في حدود المناسب والمعقول. وتنصح بألا يبدأ الشاب حياته بالديون، وتوصي الأهالي بالتخفيف على الشباب وعدم البذخ في المناسبات (لا ضرر ولا ضرار).
النظرة المتعقلة
وعن الارتباط بالأجنبي، تقول على الفتيات التفكير بعقولهم لا عواطفهم، ودراسة الموضوع وطرح الأسئلة دائمًا: من هو؟ ومن هم أهله؟ وما هي مميزاته؟ والتفكير بالمستقبل وتبعاته والأولاد، وتوصي: افهمي جيدًا لتعرفي كيف عليك أن تحبي.
وتؤكد أن الأمان الوظيفي مهم جدًا، والمشاكل المالية تسبب زعزعة في العلاقات، ولكن على الشاب ألا يتزمت ويتأخر عن الزواج، وإنما يبدأ في التفكير عن مصادر أخرى للدخل، وتحقيق الاتزان في حياته.
كما تقول أنه ليس مطلوبًا من الشاب أن يكون «سوبر مان»، ولا تنصح بالدخول في حياة لست قادرًا عليها، بل خطط للحياة في حدود استطاعتك، ولا تعط وعود كاذبة للمستقبل، لأن عدم القدرة على الوفاء بها سيتسبب في انعدام ثقة شريكتك بك، وهذه هي أسوأ المراحل في العلاقة الزوجية.
الوضوح والواقعية
وعن التغيير بعد الزواج، توصي باعباد بالوضوح من البداية وأن يبيّن كل طرف للآخر كيف يحب أن تسير حياته، لأن الوضوح والواقعية مطلوبان من أجل استمرارية العلاقة.
وفيما يخص السكن في بيت العائلة، تنوّه على أنه ليس مرفوضًا، ولكن تلفت إلى أهمية الاستقلالية لصحة الحياة الزوجية، فلا مانع من «شقة» مستقلة مع الأهل؛ لضرورة الإحساس بالحياة الخاصة والمساحة الشخصية.
وتختتم باعباد موجهةً نصيحة لكل من أبنائها الشابات والشباب: اختاروا بعقولكم لا بقلوبكم، وتشدد على أهمية الواقعية والسعي نحو الاتزان.
