هناك القليل من إرث الدراما السعودية، والذي تكفل البعض برفعه في موقع اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، ولو أن المشاهد العادي والناقد والمسؤول عن قطاع المسرح والتلفزيون والسينما والاعلام، يضحي ببضع دقائق من وقته الثمين ويشاهد تلك الاعمال، فأنه سوف يدرك مدى حجم الانتكاسة بالدراما السعودية…!
لقد كانت أساليب وأدوات الإخراج والتصوير والصوت متواضعة في تلك الفترة، التي كانت تحديدًا قبل انطلاق أولى حلقات الجزء الأول من العمل السعودي الشهير”طاش ما طاش”، إلا أن تواضع الأدوات لم يشكل عائقًا عند رواد الدراما السعودية، من أن يقدموا أعمالًا درامية كانت تعكس واقع المجتمع وتحترم عقل المشاهد، من خلال الأداء العالي للممثلين، والعمل الاحترافي للمخرج والمؤلف عن طريق الصورة وحبكة ومعالجة سيناريو العمل، سواءً كان العمل تراجيدي أو كوميدي.
“طاش ما طاش” عمل استمر عرضه لمدة تقارب العقدين من الزمن. وهو عبارة عن برنامج ينتقد بعض قضايا الساعة المحلية، والتي كانت تهم المواطن آنذاك، والانتقاد جاء بصورة السخرية أو الكوميديا السوداء، وهذا ما جعل”طاش” يكون سببًا من الأسباب الرئيسية التي غيبت كثير من الأعمال الدرامية الأخرى، ودفعت بالبعض من رواد الدراما السعودية إلى الانسحاب بكل هدوء وخيبة أمل…!
إن رواد الدراما السعودية لم يكونوا دخلاء على العمل الفني، بل كان أغلبهم يحمل درجة أكاديمية في تخصص الإخراج والتمثيل وغيرها، ناهيك عن أنهم يتمتعون بالموهبة الفنية، ومن هؤلاء الرواد على سبيل المثال وليس الحصر الفنان محمد المفرح “رحمه الله”، والذي كان يحمل دبلوم بالتمثيل حصل عليه في عام 1968م من المعهد العالي للفنون المسرحية بالقاهرة، والفنان التشكيلي عبدالعزيز الحماد “رحمه الله”، الذي ابتعث للولايات المتحدة لدراسة المسرح وفنون التلفزيون لمدة أربع سنوات، وقد تخرج عام 1968م ثم عاد للمملكة ليواصل تقديم الأعمال الفنية مع زملائه.
ومن الكفاءات والمواهب الفنية الموجودة بيننا المخرج عامر الحمود مدير الجمعية السعودية للثقافة والفنون بالرياض، والذي درس الإخراج في معهد الفنون الجميلة بالبصرة وتخرج منه عام 1985م، ولا ننسى الفنانة القديرة ناجية الربيع التي حصلت على درجة البكالوريوس بالإخراج في عام 1984م من جامعة سان فرانسيسكو، وقدمت أكثر من 100 عمل فني متنوع بين التلفزيون والمسرح، وشاركت بأعمال خارجية في الولايات المتحدة ومصر والأردن وقطر والكويت.
لذا نقولها بكل صراحة: إذا كان لدى المسؤولين عن قطاع الإعلام بالتلفزيون أو السينما أو المسرح رغبة حقيقية بتعديل هذا العبث، فإن أول خطوة في طريق الإصلاح هي الاعتراف بالأخطاء، ثم البحث عن مسبباتها لتلافيها مستقبلًا، والمحاولة الجدية لمعالجتها وإصلاحها.
ترى كلنا عيال قرية وكلٍ يعرف أخيه، لذلك فإن المكابرة والمجاملة والتطبيل لهذه الاعمال، سواءً كان هذا بسبب كونها أعمالًا تحمل اسم “سعودية” وإطلاق العذر المعهود أنه يكفيهم أجر اجتهادهم، أو كان هذا لسبب عدم رؤية الخلل والأخطاء الجسيمة التي أشار لها كثير من النقاد، فكلًا السببين “أنيل من بعض”.
لنترك المكابرة ونفكر جديًا في إصلاح الفن السعودي، وتحديدًا الإنتاج الدرامي الذي يحمل اسم (سعودي)؛ لتحقيق رؤية السعودية 2030م التي دعمت الفن السعودي من خلال برنامج التحول الوطني 2020م، والذي أشار إلى الأهداف الأساسية من دعم الفنون وهي: تحسين صورة المملكة عالميًا وتسويق ثقافتها وتنويع مصادر الدخل.
بقلم – تركي سعد الحربي