بقلم: السعد المنهالي
«رواية مستفزة مثيرة للحنق ومدعاة للغثيان لأبعد الحدود».. بهذه الجملة اختصرت رأيي حول رواية «شمس بيضاء باردة» للروائية الأردنية كفى الزعبي، ووضعت بجانب رأيي تقييم أربع نجمات ونصف من خمس، وأضفت: تستحق البوكر. لم يستوعب بعضهم رأيي ووجد فيه لبساً بل وتناقضاً صارخاً، وهو ما سأحاول تفسيره في السطور التالية.
إن تقدير إبداعات الآخرين بشكل عام والاعتراف بالحالة الجمالية فيها، أمر يختلف تماماً عن إحساسنا بمشاعر الميل أو الحب تجاهها؛ فتلك الأحاسيس التي تعتمل بدواخلنا أثناء قراءة عمل ما نتيجة التغيرات العصبية التي تطرأ علينا بسببها، لا يمكن عبورها بتجاهل؛ لأنه وحسب قناعتي أن الحالة الجمالية الناتجة عن أي عمل إنما تُقدر بجملة الأسئلة التي يستحثها العمل فينا (الناتج الإبداعي)، سواء كانت هذه الأسئلة ناتجة عن حالة غضب أو فرح، ألم أو لذة، استحسان أو استهجان، رفض أو قبول وما بين كل تلك المتناقضات من أطياف المشاعر الإنسانية المتباينة سواء التي فلح البشر في وصفها أو لم يفلحوا إلى الآن.
اعتمد كثيراً على هذه الآلية في تقييم كثير من الأعمال الأدبية، وسواء كان النص مقالاً أو رواية، طالما أنه صحيح اللغة وسلس الصياغة فذلك يكفي ليحصل على تصنيف جيد، غير أن تصنيفه الجمالي مقرون بمقدار الحالة الاستفزازية التي يتركني عليها. نميل عادة للعمل الذي يثير فينا المشاعر المريحة، وفي المقابل يكون لنا موقف متشنج تجاه غيره من الأعمال المستفزة لمشاعرنا.
وتأتي هذه الحالات كاستجابات عصبية كوننا نركن إلى ما يريحنا ويبهجنا، وهي حالة نادراً ما تفيدنا في بناء إضافة لاحقة بعد انتهاء هذه المشاعر، بينما ما يستفز مشاعرك ويثير حنقك وغضبك، ويجعلك تطرح أسئلة وتحاول الإجابة عليها مستدلاً بحجج في تحدي العمل، هو بالتأكيد عمل قوي سيجعلك أقوى.
رواية (شمس بيضاء باردة) من هذا النوع، فأثناء وبعد الانتهاء من قراءتها ستجد بالتأكيد لديك مشاعر مؤلمة وحانقة تجاه البطل ووالده ووالدته وأصدقائه وطلابه وزملائه في المدرسة، تجاه شقيقته وتجاه عايشة وتجاه أمها وتجاه حتى العجوز الذي كان يقف على الباب يلعن الحرب. تملكتني مشاعر الاستهجان من الغرف والبيوت والشوارع والظروف التي تنشأ فيها نماذج بشرية كهذه، وأثار غضبي طرح عشرات الأسئلة التي كانت تندلق على لسان شخوص الرواية بلا أجوبة، عقيمة حتى من بادرة أمل في إجابة شافية. في التصنيف الأدبي، أحوال كهذه تعد تجليات الحالة الجمالية للعمل، التي إن تمكنا من القبض عليها سنقترب أكثر من تفسير حقيقة الجمال.