هكذا بدأت الحكاية، بينما كانت أجالس أحدهم الذي ابتدأ كلامه بهذه العبارة الرنانة (ثلاثية انقضت).
اندفعت بفضول لأعرف ماهي الثلاثية التي انقضت، وحاولت التسلل إلى أعماق المتحدث بحثاً عنها، فقلت: عن أي ثلاثية تتكلم، فأجاب: ثلاثية حبي.. ثلاثية حياة قلبي، واستطرد حديثه قائلًا: في بداية ثلاثيتي، بينما كنت ذاهبًا إلى أحد الأماكن العامة، استوقفني وجه ملائكي شد انتباهي إليه منذ أن رايته ، كنت أذهب كل يوم إلى هذا المكان؛ أدخن سيجارتي وأرتشف فنجانًا من القهوة أو الشاي، وأطرب بسماع أغاني أم كلثوم، وأستنشق من خلال كلماتها رائحة الحب المفقود، كانت عادة يومية، لكن هذا اليوم كان لقهوتي طعم مختلف، ازدادت حلاوتها رغم انني أشربها بدون سكر ؛ فكان لهذا اللقاء عظيم الأثر في حياتي، وصدق القائل : هي نظـــرةٌ, فابتســـامةٌ، فســـلامٌ فكــــلامٌ، فموعـــدٌ، فلقـــاءُ.
وعندما تم اللقاء كان لقاء أرواحنا قبل أجسادنا، بل أن لقاءها أجبر قلمي على البوح بعدما صمت طويلا، فكتب كلمات تصف هذا الشعور، ليعبر عن الانقلاب على الماضي المرير الى الحاضر الأجمل حيث كتب :” بيه دمعة تعزي أم فقدت ولدها، وبيه نار تشبب اللي ما يشب، بيه كوم جروح ما أقدر أصيح. من ذكرها حجار قامت تنتحب. آه يا جرحي القديم يمتى تشفى. ويمتى قلبي يعشق ويهوى ويحب. قررت أحرق أوراقك وأبدي هذا اليوم أبحث عن محب”.
كنت استمع للراوي بكل تركيز؛ لروعة ما يصف من مشاعر تداعب شغاف القلب، فكلنا يعلم بأن ما يصدر من القلب يصل إلى القلب.
وذكر لي بيتًا للشاعر أحمد بخيت:
القلبُ غِمدُ الذكرياتِ.. مَنِ الذي أفضى لسيفٍ في الضلوعِ.. وسَلّهْ.
شدني استرساله وهو يصف ثلاثيته مع من أحب، كأنها أستغرقت ثلاثة ايّام او أسابيع ولكنني اكتشفت انها ثلاث سنوات مرت عليهما بحلوها ومرها،(ثلاثية انقضت) كأنها ثلاث ساعات.
وصفه لمن أحب كان بكلمات أشد من الروعة؛ وكأن الحروف تنحني في حضرة من أحب؛ تواضعًا لعظم قدر الحبيب وعجز الكلمات عن الوصف.
سألته: وهل كان الشعور متبادلًا؟، فقال نعم، في الوهلة التي رأت عيناي فيها، تظاهرت بأنها لم تراني، وأنني لم أخطفها، ولم أجذب أي شيء فيها، حينها أكملت حديثها مع صديقاتها، رغم أنني كنت أدرك أنها أكثر الناظرين بقلبها وعقلها، كان قدّر وما أجمله من قدر؛ أحبتني هذه المرأة بعشق وجنون، وقالت لي: لا أعرف لماذا أنت دون غيرك؟ هل تعلم بأنك أنا وأنا أنتَ، أنت نصفي الآخر الذي يكملني، أخيرًا وجدتك!
أعلن أني لكتابة هذه الحالة بإيضاح كاف سأحتاج إلى صفحات؛ كي أعطيها حقها، لكنني سأوظفها بأختصار إلى دعوة للحب.
روعة مشاعر الحب لا تصفها الكلمات أيًا كان نوع الحب الذي نتكلم عنه؛ لآبائنا أو لأبنائنا أو للمقربين من حولنا أو لكل من يحتل مساحة في قلوبنا، وهنا اسمحوا لي أن أدعوكم لتستمعوا بمن استحل قلوبكم، وأخذ منها متسعًا ومقامًا: فأحبوا لتروا روعة وجمال الدنيا.
قال جبران خليل جبران:
“أحبوا بعضكم بعضًا ولكن لا تحيلوا الحب إلى قيد.. بل أتيحوا له بالأحرى أن يكون بحرًا يموج بين شطآن أرواحكم”.
كن جميلًا ترى الوجود جميلًا.
منال فيصل الشريف
manal@albiladdaily.com