مجلة اقرا

زمن تلاشي العلاقات الاجتماعية

تحقيق – نوره العمودي
العلاقات الاجتماعية تغنّى بجمالها فنانو الزمن الجميل، وكتب عنها كبار الشعراء، وتربى الناس على عظمتها وقُدسيتها، واحترام مبادئها؛ عن الصفح والنُبل نحكي، وعند تقدير “العِشرة” نتوقف لا نُعبر.. اليوم أصبحت العلاقات تتلاشى ومعرضة للفشل والانهيار أكثر من أي وقت مضى، يُمحى الكثير والحَسن مع أول خطأ، فما عادت للذكرى ولا للأيام الحلوة تلك القيمة القديمة، فهل أضعنا اليوم قُدسية القيم والمعاني الجميلة؟
باتت كيفية استمرار العلاقة اليوم أشبه بالكابوس، يلاحق الفرد أينما حل وارتحل، صار الإنسان بدلًا من أن يسعد ويأنس بعلاقته مع من يحب ويعيش اللحظة، يرهق نفسه جاهدًا بالتفكير كيف يضمن لعلاقته بمن يحب عمرًا أطول قبل حلول وقت الاحتضار!
وأما عن عصر السرعة والتطور التكنولوجي الذي نشهده؛ فهل ساعدت مواقع التواصل الاجتماعي على دعم الاعتقاد الذي كبرنا عليه بأن الحب لا يتأثر بالمسافات؟، أم أنها برغم هذا التطور والاقتراب اللا متناهي وغير المسبوق نجحت في قتل متعة العلاقات وسلب فرحة انتظار الاتصال واستقبال الرسائل؟
تبدأ العلاقات اليوم بضغطة زر واحدة، وقد تنتهي بلمح البصر في سيناريو بسيط وأسرع مما ابتدأت، بضغطة الزر نفسها، ولكن هنا على شكل حذف delete””، أو بكل بساطة حظر block”” منذ أن سلمنا الأجهزة مصائر علاقاتنا.
فماذا تمثل العلاقات الاجتماعية اليوم؟ نطرح هذا السؤال على رواد مواقع التواصل الاجتماعي والمختصين، ونسأل عن أهم العوامل التي قد تقوم عليها أي علاقة اجتماعية، ونعرض أبرز العناصر التي تضمن استمرار ونجاح علاقة ما، ونحاول أن نعرف ما الذي قد يعصف بها ويضعها في سجل الذكريات.
رأي الناس
بعد طرح سؤال كيف تُصنف العلاقات الاجتماعية في الوقت الحالي خاصة مع استخدام السوشيال ميديا؟ على مجموعة من الأشخاص، كانت الإجابات كالتالي:
“رتم” الحياة
تقول أفراح سعيد: “العلاقات اليوم تأثرت بـ “رتم” الحياة السريع، فأصبحت قائمة على مبدأ التخطي، (ما عجبك، فيه ١٠٠٠ غيره)، رغم أن الحياة أعمق والعلاقات يجب أن تكون أقوى من أن تنهار أمام موقف ربما يكون تافهًا، أصبحت معظم العلاقات من وجهة نظري هشة، ولا أعمم فالخير موجود وباق إلى يوم الدين.
الحذر مطلوب
وتقول لين عقيل: “بعض العلاقات تكون جيدة، ولكن ليس هناك ما يضمنها؛ لأنك تتحدث مع أشخاص لا تعرفهم، ولكن بعضهم يكونون أصدقاء حقيقيين وأوفى من الأصدقاء في الواقع، وتوصي بأن يكون الشخص حذرًا”.
مجاملات ونفاق
وتعتقد أماني طيب أنها مبنية على المجاملات والنفاق الاجتماعي في الأغلب، مع وجود بعض العلاقات القوية والمحترمة التي تُبنى على الصدق والاحترام والتقدير وتدوم للعمر بشكل أفضل من عدة علاقات في الحياة اليومية.
تفتقر للإحساس
فيما تقول شيرين شمس: “علاقات تُبنى غالبًا على المجاملة والمظاهر وتفتقر للإحساس بمن حولك”.
مصالح وكذب
وبحسب محمد أحمد هي علاقات مصالح وكذب وعدم اهتمام، وأخيرًا خيانة وعدم اعتراف بالخطأ!.
معدومة الثقة
وترى أمل سالمين أنها اليوم علاقات قليلة وإن وُجدت تكون معدومة الثقة.
المسافات
تقول جوزاء سعود: “في بعض الحالات تكون قربت المسافات للبعيدين عن الوطن، ولكن هنالك أناس قريبين منا بالمسافة ومع ذلك لم تقربهم لنا. لذا أنا أرى أن الاعتماد أولًا وأخيرًا على الشخص نفسه، فهل هو متواصل أم متواري عن الأنظار..”
تأثير السوشيال ميديا
ويقول حسن الزهراني إن العلاقات بدأت بالضعف والانحدار كمؤشر على تمكن السوشيال ميديا من الأشخاص.
وتعتقد ليان خالد أن العلاقات اليوم أصبحت أضعف! وصارت التهنئة والتعزية تُكتفى بالرسائل بدلًا من الزيارة، وتضيف من جهتها أنها ممتنة لهذه المواقع لأنها استطاعت أن تربطها بمن أبعدتهم المسافات عنها.
وترى جمانة نمر أنها علاقات مترابطة وقوية، ويرى صالح أحمد أنها زادت من علاقاتنا ولكنها تفتقد للحميمية، بينما تضيف روان محمد أنها جميلة ومتنوعة وتساعدك على التعرف بالأشخاص من مختلف الفئات والجهات.
استطلاع
وبحسب استطلاع رأي بسيط تقاربت النسب بين الاحترام والصدق كأساسين مهمين لقيام أي علاقة، حيث جاء الاحترام بنسبة ٤٨.٨٪ والصدق ٤٢.٧٪ وأخيرًا الوفاء ٨.٥٪.
وفيما يخص ما يضمن استمرار العمر الأطول للعلاقات جاء الاهتمام بنسبة ٥٧.٣٪، تلته المشاركة ٢٣.٢٪، والاعتراف بالخطأ ١٩.٥٪.
بينما كان الكذب هو السبب الأبرز لإنهاء علاقة ما، والذي شكّل نسبة ٤٧.٦٪، وتقاربت نسبتا الخيانة ٢٦.٨٪ وعدم الاهتمام ٢٥.٦٪.
أمر حيوي
د. .رانيا أبوخديجة: علاقات مواقع التواصل هشة وتفتقد للغة الجسد 
بداية تعرف د. رانيا أبوخديجة -أخصائية نفسية- العلاقات الاجتماعية بكونها مرآة النفس، وهي أمر حيوي وجزء لا يتجزأ من وجود الإنسان وكيانه، ودليل مهم لإثبات وجوده بأنه كان يعيش يومًا ما على الكرة الأرضية.
هشاشة العلاقات
عبير بناوي: القيود العاطفية تحد رقي واستمرار العلاقات وتعارض القيم ينهيها
تعتقد عبير بناوي -المرشدة الاجتماعية والأسرية- أن العلاقات الاجتماعية في الوقت الحاضر تأثرت تأثرًا كبيرًا بالانفتاح الفكري، واتساع رقعة مساحات التواصل الاجتماعي الحر. فبعد أن كانت تُبنى العلاقة على التواصل الدائم والالتصاق الجسدي، أصبحت اليوم تُبنى على وسائل اتصال افتراضية؛ مما أدى إلى هشاشة العلاقات، وعدم معرفة بُعد العلاقات الحقيقي، وبالتالي عدم بنائها بالشكل الجيد الذي يضمن لها الاستمرار.
شروط التواصل
وأيضًا تصف د. رانيا أبوخديجة العلاقات على مواقع التواصل الاجتماعي بالهشة؛ إذ أنها تفتقد لأهم شروط التواصل بين الناس وهو لغة الجسد، وتستدل بدراسة تشير أن ٧٪ من أحكامنا تستند على ما نقوله من الكلمات، و ٣٨ ٪ عن طريق التعبير الصوتي، و ٥٥٪ عن طريق لغة الجسد .
قيمة الحضور الجسدي
وتكمل د. رانيا أبوخديجة: لذلك الحضور الجسدي مهم جدًا حتى نترك الانطباع الجيد سواء كان اجتماعيًا أو مهنيًا، فأحيانًا بمجرد التبسم والاتصال البصري مع الشخص الآخر عند السلام بالأيدي، قد تجعله في هذه الحالة يتعامل معك باحترام وتعاطف.
وتضيف: أما الحضور الافتراضي ووجود البرامج وشبكات التواصل الاجتماعي أصبحوا اليوم هاجسًا لكل بيت وعائلة، فلا ننكر بأنها أصبحت اليوم بمثابة الشيء الضروري في حياتنا ولا نستطيع الاستغناء عنه، ولكنه كان السبب في العزلة الاجتماعية والهروب من الواقع، وافتقار الناس من حولنا لفن التعامل مع الآخرين والجهل بلغة الجسد .
الحاجز النفسي
ولا تنفي أ. عبير بناوي أنه باستطاعتنا بناء علاقات جيدة عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، وتضرب المثل بالمشاركة التي تتضمن تقارب الأفكار وتبادل الآراء التي تنمّي الثقافة، ولكنها تؤكد أن هذا لا يكفي نفسيًا لإنشاء علاقة قوية متبادلة.
وتقول: الآن نعتمد في كل المناسبات على التهنئة عن طريق الإنترنت، مما أدى لوجود بُعد نفسي بين الأشخاص في المجتمع.
النظر والقُرب والأحاسيس
تضيف عبير بناوي بأن كل شخص في المجتمع يحتاج إلى التواصل عن طريق النظر والقُرب والأحاسيس، حتى تتكون نفسيات رائعة وقادرة على التواصل الفعال والجيد، والذي بدوره يعود على الفرد والمجتمع بالقوة والمتانة.
الراحة النفسية
توضح د. رانيا أبوخديجة بأن الارتياح هو شعور نفسي وجسدي، وهو نوع من الارتياح الداخلي والرضا النفسي والطمأنينة. وتقول: هناك من يعانون زيادة الشعور بعدم الارتياح اجتماعيًا في مراحل سنية مختلفة، فانعدام الراحة يرتبط بشكل طبيعي بالمراهقة وسنين النضج الأولى، وكلما كبر الفرد عمريًا كلما بحث أكثر عن طرق تنهي معاناته مع هذا الإحساس المترسخ في حياته. وليكون الفرد مرتاح نفسيًا فلابد من السلاسة في المعاملة والثقة بالنفس.
كما تضيف عبير بناوي بأنه لراحة الفرد نفسيًا لابد أن تكون علاقته بالآخرين مبنية على التقارب، الثقة، الشفافية، الإحساس بالأمان؛ وجميعها قيم نحتاجها لتستمر العلاقة.
القيود العاطفية
تعتقد أ. عبير بناوي أن القيود العاطفية تحد من رقي واستمرار العلاقات، كما أنها تؤدي لقتلها أحيانًا. وتؤكد على أهمية الصدق والحب وأن يكون جميع الأطراف يؤمنون بالقيم نفسها، وأن يتمنى كل طرف الخير والفوز للآخر، فتلك هي الأساسيات التي تقوّي العلاقات.
بينما تنفي د. رانيا أبوخديجة قدرة القيود على إنهاء العلاقات، وتؤكد: كلاً له حقوقه وحدوده، والمبدع من يعرف هذه الحقوق والحدود، ويلتزم بهما ولا يتعدى على إحداهما .
الحدود والحماية
وبحسب د. رانيا أبوخديجة هناك حدود في العلاقات الاجتماعية هي أشبه بالميزان الصحي، تحفظ بين الناس خصوصياتهم وتوصي بتجنبها، مثل: إهمال الواجبات الاجتماعية، تصيد الأخطاء، الهجوم والغضب غير العقلاني، الأنانية أو حب النفس، عدم الثقة بالآخرين والاستهتار بهم، فرض سيطرة طرف على الآخر.
وتضيف فيما يخص إنهاء العلاقة بالطرف الآخر: هناك مثل يقول “إذا زاد الشيء عن حده انقلب ضده” والحدود التي ذكرناها سابقًا إذا زادت عن حدها تقود الشخص لإنهاء العلاقة دون تفكير.
كما تنوِّه عبير بناوي فيما يخص تعارض القيم من أحد أطراف العلاقة أن هذا ما يؤدي لإنهاء وفشل العلاقات في المجتمع.