بقلم: منال الشريف
لا تزال الصدفة هي أجمل وأروع الأشياء التي تحدث لك في حياتك؛ لأنها خالية من أي انتظار أو رغبة أو تطلع إلى شيء ما، ولعل جمالها يكمن في حدوثها دون إعداد مسبق، بل تقودك أحيانًا إلى عالم وواقع لم تفكر به من قبل؛ تجعلك تلتقي بأعز الناس إلى قلبك،
وفي أحيان أخرى قد تجعلك تلتقي بأبشع وأقسى البشر، وربما تفرض عليك الصدفة أسلوبًا جديدًا تعتمده في حياتك، لتعبر دروب الحياة وممراتها الضيقة وأسواقها الشعبية وشوارعها غير المعبدة؛ لتصل عبر مطارات الصدفة إلى مسارات أو أماكن أو اتجاهات جديدة، وأنت في حيرة تسأل نفسك: من. لماذا. كيف. أين؟، ولا تجد إجابة لتصاريف ومآلات الصدف؛ وهذا سر دهشتها.
قد تكشف لك الصدفة أنك تعيش في المكان الخطأ، أو مع الأشخاص الخطأ، أو بالمشاعر الخطأ؛ فتعيد ترتيب أوراقك المبعثرة، وتضبط بوصلة حياتك على اتجاه مختلف، وكأنك ولدت من جديد؛ ولكي تكتشف ذلك تجد نفسك قد اهدرت الكثير من الوقت والجهد والمال.
وقد تجعلك بعض الصدف ترى نفسك جيدًا وكأنك أمام مرآة، لتكتشف مثالبك وتصحح أخطائك، وتتجرد من كل ما تحمله من حقد وكره وضغائن، وكأنها رسالة من الله إليك؛ فتلتئم جراحك، وتحمد الله كثيرًا، وتصبح نفسك متسامحة وروحك متصالحة، والتسامح والتصالح مع الذات والآخر؛ أعظم القيم الإنسانية التي يمكن أن يمتلكها بشر.
جميع تلك الصدف التي تمر بنا، تؤكد في داخلنا حقيقة ” أن دروس الحياة لا تنتهي إلا بتوقف نبضات قلب الإنسان. وأن محطات الزمن كثيرة. وربما أفضلها وأجملها تلك التي لم نصل إليها بعد”.
كثيرًا ما يرددون “رب صدفة غيّرت مجرى حياة”. أتذكر ذلك جيدًا، عندما قابلت سيدة أمريكية في السبعين من عمرها وهي في شهر العسل، تعلمت منها أن حب الحياة و السعادة ليس لها عمر.
لم أفكر أبدًا بأن أطرق دور الإعلام وأعمل صحافية، لكن إرادة الله سخرت لي صدفة مع إحدى صديقاتي؛ كانت سببًا في تلك المسيرة الطويلة، وهذه الصدفة القديمة جعلتني أكتب إليكم هذا المقال اليوم؛ قد يكون الحظ صدفة. إلا أن النجاح رسالة.
الصدفة تحمل بين حروفها فرح في كل شيء: يجب أن نعرف كيف نستخرجه. وأن نلفظ ما فيها من وجع أو ألم.
أخيراً:
بعض الناس تحل السعادة أينما يذهبون، والبعض الآخر تحل السعادة حينما يذهبون.