المشاهير

رحيل عاشق جدة محمد سعيد فارسي

بقلم– رانيا الوجيه

محمد سعيد فارسي عاشق جدة عروس البحر الأحمر، التي ارتدت الفستان الأبيض في عهده، كان رجلًا قويًا وواثقًا، عشق عمله فاستحق أن يكون أول أمين لمحافظة جدة والمؤسس الأول لشكلها الحديث، قاد أعمال تخطيط الشوارع والطرقات وتصميم الكورنيش وميادينه، وشهدت حقبته نقلة نوعية بكل ما تعنيه الكلمة لعروس البحر الأحمر وبوابة الحرمين الشريفين، المدينة التي يبلغ عمرها آلاف السنين انتقلت إلى الحداثة مع محمد سعيد فارسي، نستعرض ومضات من سيرته ومسيرته في المساحة التالية.

المسيرة التعليمية

ولد المهندس محمد سعيد فارسي في مكة المكرمة عام 1936، ودرس الإبتدائية بمدرسة الرحمانية ثم مدرسة تحضير البعثات، وحصل على بكالوريوس الهندسة عام 1963من جامعة الإسكندرية عروس البحر المتوسط، وتأثر بالمدينة العريقة كثيرًا، ثم حصل على ماجستيرعمارة وتخطيط بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف الأولى عام 1982، ثم الدكتوراة من كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية أيضًا عام 1987. وينتمي إلى أسرة تجارية عريقة فيها «مشيخة» الصاغة والمجوهرات لأكثر من 100 عام في مكة المكرمة، وعندما تسلم منصب أمين جدة، أراد أن يدمج حبه للفنون مع تخصصه الهندسي فكان عقد الجَمال الذي صاغه.

معرض مفتوح

كان محمد سعيد فارسي يمتلك نهجًا إداريًا سابقًا لزمانه، حوّل أمانة جدة إلى جهاز على أعلى مستوى، تفانى العاملون فيه في الإنتاجية والعطاء والإنجاز؛ مما جعله مفرخة كفاءات لأجهزة إدارية أخرى. كان منصتًا جيدًا للأفكار والاقتراحات، وأشرك في مشاريعه مجموعة لافتة ومهمة من المهندسين السعوديين الشباب، معتمدًا عليهم وهم في سن مبكرة، وكان له دورًا أساسيًا في تحويل مدينة جدة إلى معرض مفتوح للأعمال الفنية والإبداعية، من خلال المنحوتات التي تنتشر في في شوارع المدينة من تصميم فنانين عالميين، من أمثال النحاتين الأسباني خوان ميرو، والإنجليزي هنري مور، والألماني هانس أرب، والأمريكي ألكساندر كالدر.

تجميل جدة

توافقت جهود فارسي مع رؤية القيادة لتحويل جدة إلى مدينة متميزة؛ حيث عمل على إحداث نقلة نوعية في الكورنيش والميادين، ويعود له الفضل في إنشاء الطرق الرئيسة الكبرى بجدة، لا سيما طريق الستين (طريق الملك فهد) وعدد كبير من الميادين، وكان التوسع نحو الشمال (طريق المدينة-أبحر- عسفان- ذهبان- منطقة درة العروس) جزءًا من رؤيته البعيدة في عملية التخطيط. وكان أحد المشاريع التي أطلقها المهندس محمد سعيد فارسي، وكان جزء من المشروع يتضمن شراء أكثر من 400 عمل نحتي، تعد من أكبر مقتنيات الفن العام في العالم وأكثرها تنوعًا، حيث تستمد من التصميمات العربية التقليدية والفن التجريدي، ومنها مجسم للنحات العالمي سيزار بلديسيني، ومجسم “الآية” على شكل قارب من ابتكار خوليو لافونتي. ويُعد هذان المجسمان من أقدم وأشهر المجسمات التاريخية في جدة.

جولات ميدانية

كان المهندس محمد سعيد فارسي يحرص على القيام بجولات ميدانية صباحية، للوقوف على أحوال أحياء جدة، خاصة الأحياء المنزوية والشوارع والأزقة الداخلية؛ بهدف التعرف بصورة مباشرة على أوضاع النظافة وحركة البناء والمخالفات والتعديات والحفريات.

وكانت ثمرة هذه الجولات الصباحية سلسلة من الملاحظات والإجراءات والعقوبات ضد مسؤولي البلدية، الذين غفلوا عن المظاهر السلبية في المدينة، واكتفوا بتقارير ورقية يكتبها المراقبون من على مكاتبهم، ويحاولون خلالها تجميل الصورة، في حين كان “فارسي” حريصًا على معرفة الحقيقة وتصحيح الاوضاع أولًا بأول. وكثيرًا ما كان يفاجئ موظفيه بقرارات لا تخطر على بالهم؛ جراء وقوفه على حقيقة المدينة وخفاياها.

شارع باسمه

يقول المستشار الإعلامي كمال عبدالقادر: المهندس محمد سعيد فارسي هو باني جدة الحديثة، لم يهتم فقط بالبناء والتعمير بل اهتم بالجمال، فجدة تعتبر المدينة الأولى في العالم، التي تحتوي على عدد كبير جدًا من الأعمال والمجسمات الجمالية لفنانين من مختلف أنحاء العالم، ولم يكن الفارسي أمينا لجدة فقط، بل كان يفتتح المعارض والمؤتمرات والمناسبات المختلفة التي تهتم بإنسان مدينة جدة.

ويضيف عبدالقادر: لكي نكرم هذا الرجل الذي عشق مدينته، لابد أن يسمى شارع في جدة باسم ” محمد سعيد فارسي”.

كمال عبدالقادر:أطالب بتسمية شارع في جدة باسمه

اللقب المحبب

ويقول الإعلامي عبدالله القبيع: كان المهندس محمد سعيد فارسي يحلم بأن تكون جدة مدينة تسابق الزمن، وتتفوق على المدن العربية في كل شيء، حيث كانت جدة في عهده معرضًا مفتوحًا لكل الثقافات، بالفعل كان مهندسًا بحق وحقيق، وكانت جدة قلبه، وكان يحترم الصحافة ولا يغضب من النقد، لازمته لأكثر من 5 سنوات، لم يشتكي من صحافي، كان يستشير كبار جدة؛ كتابها ومثقفيها ورجال الأعمال في كل ما يخدم المدينة، وكان يشرف على كل صغيرة وكبيرة من جنوب جدة إلى شمالها، ومن وسطها إلى حدود بحرها.

ويردف القبيع: ولا ننسى أنه كان هناك دعمًا كبيرًا لا يتوقف من الملك فهد يرحمه الله، وصادف أني أجبت على مكالمة جاءت على تليفون سيارة الفارسي، وكان المتصل الملك فهد يتابع أدق التفاصيل، قال لي بالحرف الواحد “وين أبا هاني”، وكان هذا اللقب المحبب للفقيد محمد سعيد فارسي.

عبدالله القبيع:حول جدة لمعرض مفتوح لكل الثقافات

صفاته الإنسانية

وتكشف السيدة فريدة فارسي عن اهتمامات تلك الشخصية العبقرية قائلة: كان رجلًا لا يعرف المستحيل، محبًا للفن بجميع أنواعه، كانت شخصيته تتسم بالبساطة، يتقبل كل من حوله، ويشعر بآلام الأخرين ويتألم معهم؛ وهذه إحدى صفاته الإنسانية، إلى جانب أنه كان دائمًا محفزًا لكل من حوله، يؤمن بصعوبة الأمور والقرارات، لكن دون أن يقول هذا مستحيل، كنا نستشيره دوما كعائلة في جميع الأمور؛ لأنه كان يملك طاقة إيجابية رائعة، وزعها على جميع من يحيطون به؛ من العائلة أو الموظفين أو أصدقائه.

فريدة فارسي:كان بسيطًا ومحفزًا ويملك طاقة إيجابية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *