تحقيق

ورشة تحول «المكفوفين» لطاقات منتجة

المدينة المنورة- محمد قاسم
يسجل التاريخ الإنساني صفحات من النور لعدد كبير من المكفوفين الذين ساهموا في إثراء الحياة الإنسانية بالعديد من الإنجازات والنجاحات؛ لقناعتهم بأن فقدان البصر لا يقف عائقًا أمام تحقيق الطموحات، طالما البصيرة حاضرة يرون بها ما لا يستطيع أن يراه ذو البصر الحاد، وشهدت المملكة عبر تاريخها العديد من العلماء “ممن فقدوا البصر” لكنهم قدموا اسهامات كبيرة لوطنهم، من بينهم على سبيل المثال لا الحصر الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رئيس هيئة العلماء السابق.
ولكي يتمكن فاقدو البصر من تخطى تحديات الحياة، لابد من وجود من يساندهم ويقدم لهم يد العون والمساعدة والدعم الكافي، فهل تحقق ذلك على أرض الواقع؟، استطلعنا آراء ببعض المكفوفين للتعرف على احتياجاتهم ومتطلباتهم وتقييمهم للدعم المجتمعي لهم، كما ناقشنا الملف مع مسؤولي جهات معنية بتقديم المساندة والعون للمكفوفين، وجاءت الآراء بالشكل التالي:
الوظيفة
تقول سارة الحازمي مدربة تقنيات المكفوفين بجمعية “رؤية” إن الوظيفة مطلبًا مهمًا لدى المكفوفين للحياة الكريمة مثل الأشخاص الذين ينعمون بنعمة البصر، فكما أن الشخص العادي الذى درس وكدح سنوات طويلة من حقه الحصول على الوظيفة، كذلك الكفيف له الأحقية في التوظيف بعد تخطي الصعوبات التي واجهها في دراسته وحياته بشكل عام .
نظرة سلبية
وتضيف أنه من المؤسف أن هناك قصورًا في التوظيف؛ سواء كان في القطاع الحكومي أو الخاص بسبب النظرة السلبية للكفيف، واعتباره شخصًا عاجزًا وغير مهيأ للعمل لعدم إيمانهم بإمكانياته، فى حين أنه شخص قادر على الإنتاج والعطاء متى تهيأت له الظروف التي تتناسب مع قدراته .
“الكوتة” غير مفعلة

وتشير الحازمي إلى أنه رغم صدور قرار وزارة العمل والتنمية الاجتماعية بسعودة الوظائف، ووجود كوته للمكفوفين بالوظائف الحكومية من خلال توظيف شخص من ذوي الاحتياجات عن كل 4 أشخاص يتقدمون للتوظيف بالشركات والقطاعات، إلا أن العديد من الجهات لا تستجيب لهذا القرار؛ مما يُعد ظلمًا لهذه الفئة من المجتمع.
مطلوب ضوابط
وتطالب مدربة تقنيات المكفوفين بجمعية “رؤية” وزارة العمل بمتابعة قرار مشاركة ذوى الاحتياجات الخاصة في سوق العمل، وإعادة دراسته بالضوابط التي تحفظ حقوقهم، متوجهة بالشكر فى الوقت ذاته لجمعية”رؤية” للمكفوفين لما توليه من اهتمام وتهيئة لهم لمواكبة سوق العمل ليكونوا منتجين فى المجتمع.
دعم مفتقد

فيما يقول عادل محمد يوسف- أحد المكفوفين – إنه لم يجد جهة تساعده أو تقدم له الدعم الكافي من برامج تأهيل أو ترشحه لأية وظيفة، رغم أنه حاصل على شهادة البكالوريوس من جامعة طيبة عام 1438هـ، وبعدها شهادة دبلوم تربوي لمدة سنة.
“محصورة في المعلمين”
بينما تقول أماني مصلح الصاعدي “كفيفة بصر” إننا نحن المكفوفين فتيات وشباب ليس لنا وظائف تناسبنا وأماكن العمل ليست متهيئة بما فيه الكفاية، لذلك نطالب وزير العمل أن ينظر فيما يخدمنا بجدية فنحن لا ينقصنا شيء وهنالك منا من يعول أسره والوظائف محصورة في المعلمين، ونحن نريد التوسع في مجالات العمل ولنا الشرف في خدمة بلادنا بلاد الحرمين الشريفين.
شريحة مهمة

من جانبه، يقول ياسر بن صالح بن راجح الشريف نائب رئيس مجلس إدارة والمدير التنفيذي لجمعية “رؤية” للمكفوفين، إنهم شريحة مهمة في المجتمع، ويملكون من الطاقات ما تمكنهم من أن يخدموا أنفسهم بها، وأن يساهموا في بناء وطنهم، لكنهم فقط يحتاجون مـن يأخذ بأيديهم، ويقدم لهم الدعم والتمكين، والدورات والبرامج التي تجعلهم يتجاوزن فقدان بصرهم.
قادرون على العمل
ويضيف أن المكفوفين قادرون على العمل فى أي وظائف وعدم اقتصارهم على مهن معينة كموظف السنترال أو التدريس؛ لما يتمتعون به من قدرات متنوعة لكنهم يحتجون لمن يضعهم على أول الطريق، ضاربًا المثل بجمعية المكفوفين الخيرية بالمدينة المنورة “رؤية”، التي تسلحهم بالمهارات اللازمة التي تمكنهم من الانخراط في سوق العمل بكفاءة عالية، وبالتالي الإنفاق على أنفسهم وأسرهم، دون الحاجة إلى التبرعات أو الإعانات المالية أو العينية ليعيش الكفيف حياة كريمة، إضافة لخدمته لمجتمعه ومشاركته في بنائه.
مبادرات متنوعة

ويوضح الشريف أنه من البرامج الرائدة التي ترعاها الجمعية (المهندس الكفيف، وتركيب العطور، والإعلامي الشامل المتمكن في مجالات الإعداد والتقديم والتصميم والمونتاج والإخراج)، كما أن هناك برامج مثل “المطبخ الناطق”، الذي يجعل الكفيفات قادرات على إدارة الطبخ باستقلالية تامة دون الرجوع لأي مبصرة، وهذا يساعدهن في حياتهن الخاصة، كما يفتح لهن أبواب الرزق عبر برامج الأسَــر المنتجة، وهناك كذلك مبادرات أخرى تساهم بتدريب الكفيفات على الأشغال اليدوية، إلى غير ذلك من المبادرات المتنوعة.
الطموحات أكبر
ويختتم المدير التنفيذي لجمعية “رؤية” للمكفوفين بأنه بخصوص تعاون وزارة العمل والشركات الخاصة في دعم توظيف المكفوفين، هناك بعض المبادرات التي نشكرها، ولكن الطموحات أكبر وأكثر بالمزيد من التعاون، فالكفيف متى أعطي الفرصة وهيأت له الظروف والإمكانات سيكون الإبداع ميدانه والتألق سماؤه، ولاسيما ورؤية المملكة 2030 داعمة لجميع فئات المجتمع، ولمشاركتهم الفاعلة في التنمية المستدامة.
التأهيل والتدريب

ويؤكد مدير عام التدريب التقني والمهني بمنطقة مكة المكرمة فيصل بن عقيل كدسة على أهمية تدريب ذوي الإعاقة وتأهيلهم، مشيرًا إلى أهمية تدريب من هم على رأس العمل، وتأهيل الباحثين منهم عن الوظائف، وكشف أن الإدارة ممثلة في مركز خدمة المجتمع والتدريب المستمر، قد أطلقت البرنامج التدريبي المجاني لتقنيات فن الاتصال للمكفوفين من مستفيدي جمعية “إبصار الخيرية”، والذي يستمر على 3 فترات، تم الانتهاء من أولى تلك الفترات.
تمكين تقني ومهاري
ويوضح أن المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني تسعى من خلال مسؤولياتها الاجتماعية إلى تقديم ما يمكن تقديمه لهم، للمساهمة في التفاعل والاندماج مع المجتمع بصورة إيجابية وفعّالة، من خلال التدريب والتأهيل والتوجيه المهني، مشيرًا إلى أن هذا البرنامج تم عقب زيارة قامت بها الإدارة في الفترة الماضية، تعرفت فيها على دور الجمعية في معرفة احتياجات ومتطلبات المعاق بصريًا من استعدادات وقدرات ومهارات لوضع المعاق بصريًا ومعرفة نواحي القوة والقدرة لديه، ومن ثم الوصول إلى تدريب مهني يجعله مستقرًا نفسيًا ووظيفيًا واجتماعيًا، من خلال التمكين التقني والإداري والمهاري الذي يساعد المعاق على الاعتماد الذاتي أو التطوير في عمله، والقيام بمهامه الوظيفية.
3 برامج تطويرية

ويقول رئيس مركز خدمة المجتمع بمنطقة مكة المكرمة المهندس عبدالله بن أحمد باخشوين إنه تم اعتماد تنفيذ 3 برامج تطويرية تضمنت؛ أولًا تقنيات قوة التفكير والتي تتيح للمعاقين بصريًا التعرف على تقنيات وآليات التحكم في قوة التفكير وكيف يحول الأفكار السلبية إلى إيجابية، وثانيًا تقنيات فن الاتصال والتي تكسب المشاركين المهارات والقدرات اللازمة في عملية الاتصال والتواصل ورفع كفاءتهم ليصبحوا قادرين على فهم وإدارة الذات، وأخيرًا تقنيات إدارة الوقت والتي تتيح الاستفادة من الوقت المتاح والمواهب الشخصية المتوفرة لدى المشاركين، لتحقيق الأهداف المهمة مع المحافظة على تحقيق التوازن بين متطلبات العمل والحياة الخاصة.
طاقات منتجة
وينوه إلى أن مبادرة الإدارة العامة للتدريب التقني والمهني بمنطقة مكة المكرمة نحو إقامة هذا البرنامج التدريبي، تأتي للتأكيد على حاجة ذوي الإعاقة البصرية لتقديم التدريب اللازم لهم، وتوجيه الطاقات المعطلة وتحويلها إلى منتجة؛ مما يُساهم في دفع عجلة التنمية الوطنية واستثمار طاقات الفرد وكفايته الذاتية، وحصول الأشخاص ذوي الإعاقة على التدريب المناسب، الذي يُساهم في دعم نظرة المجتمع الإيجابية لهم، كما يتيح للمؤسسات والشركات المختلفة توفير فرص النجاح التي تلائم منسوبيها من ذوي الإعاقة البصرية بالتعاون مع الجمعية.
و”السيدات أيضًا”
وأتم رئيس مركز خدمة المجتمع بمنطقة مكة المكرمة بأن البرنامج حظي بحضورعدد من ذوي الإعاقة البصرية والمكفوفين من منسوبي العديد من القطاعات من مدن المملكة، مع تطلعات لتوسيع نطاق التدريب مستقبلًا ليشمل تأهيل السيدات المعاقات بصريًا، واللاتي يعملن في قطاعات وظيفية ويحتجن إلى مثل هذا التدريب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *