مجلة اقرا

بنات من ماس يحولن التراث للوحات فنية مبدعة

تحقيق- آمال رتيب

لم يعد التراث وفنونه استدعاء للماضي في مناسبات وأوقات محددة٬ نشاهده ويترحم بعضنا على أيام وناس زمان، ويسارع آخرون لالتقاط صور تذكارية٬ ولكن هناك شابات ومؤسسات تعمل بكل جد ليس على إحياء التراث فقط٬ ولكن على تحويله لقطع فنية سواء في الملابس أو الاكسسوار أو الديكور٬ بدقة وبراعة تتناسب وإيقاع العصر ومتطلباته، نستعرض جهود وإبداع «بنات من ماس» يحولن التراث للوحات فنية مبدعة.

بصمة

تقول المصممة رانية غمراوي: التصميم والألوان هوايتي، أحببت هذا المجال، فمنذ صغري وأنا أعشق الأزياء والرسم فقررت أن اصقل موهبتي بالدراسة، واشكر الله على موهبة الابتكار والتصميم فهي الأساس لكل مصمم أزياء ناجح .

ويظل التراث العربي هو مصدر الجمال والإلهام لبنت السعودية٬ على مستوى عال من الذوق الرفيع. فنقلته بطريقة حديثة وغير مبالغ فيها٬ فحاز إعجاب الكثيرين.

ولم تكتفي غمراوي بالتصميم، ولكن اتجهت إلى الرسم والطباعة على الفساتين، تقول عن هذا الفن ومدى قابلية المجتمع له: رغم أن الرسم في قطعي يأخذ نصيب الأسد٬ ولكن ذلك لا يمنع اهتمامي بالتفاصيل لإخراج قطعة مميزة، ولأن لكل بلد ذوقه وثقافته وتوجهاته في عالم الأزياء، وما حرصت عليه هو التميز من خلال اهتمامي بالرسم الرقمي ثم طباعة الرسومات على الأقمشة انطلاقا من حب الاختلاف وأن تكون لي بصمة في عالم الازياء، فسلكت هذا الاتجاه، والمصممة المحترفة هي التي تستطيع الوصول إلى ذوق المجتمع بنجاح، فهي ليست مجرد هواية ولكنه عمل يجب أن يدر عليك الربح كما هي حال الأعمال الأخرى الناجحة.

زمكان

لم تتوقف رانية غمراوي عند هذا النجاح الذي حققته، بل عملت على تطوير مشروعها، وانتقلت للرسم على المفروشات، تقول عن هذه الخطوات: بطبيعتي أحب التحدي والتميز فاتجاهي للطباعة على المفروشات جاء من منطلق نفس فكرة الطباعة على الأقمشة٬ للخروج عن المألوف والتميز بقطع فنية (Piece of art)، وأستطيع القول إن اقتناء قطعة أو أكثر تحمل روح التراث فخر لي٬ فتراثنا غني٬ ونستطيع مزجه وتقديمه بطرق حديثة ومحببة٬ وأعتقد أن اتجاه عدد من الشباب والشابات للتراث ليستوحوا منه أعمالهم دليل على الأصالة والاعتزاز بهذا التراث٬ وهو مواكبة لما استشعره سمو ولي العهد وتضمنته رؤية 2030 من اعتزاز بالتراث والحفاظ عليه، وتطويرًا لما وصلت إليه كان إطلاق «زمكان» كعلامة تجارية للهدايا والتذكارات الفنية التي تحمل روح التراث وجمالياته في قطع تستخدم يوميًا.

فيونكة

آلاء بلخي من الشابات اللواتي قدمن التراث بطريقة مبتكرة٬ عبر حقائب يد٬ لاقت اقبالًا كبيرًا من الفتيات٬ وهي الآن من أشهر المدونات وصاحبة الماركة الأكثر «مرحًا» وشعبية وتعبيرًا عن الهوية السعودية كما تصفها الفتيات، وسلسلة تصاميمها هي أزياء مستوحاة من الأسلوب العربي الكلاسيكي. حددت بلخي الثقافة الشعبية والخليجية كمصدري وحي لتصاميمها الأصلية، مما ساعدها على تكوين قاعدة كبيرة من المعجبين في الشرق الأوسط. وبعد 8 سنوات من تجربتها التي بدأت في 2011 ٬ تقول عن تجربتها: درست في نيويورك٬ وكتبت يومًا على تويتر «لم أرغب بأن أعمل من الساعة 9 صباحًا إلى 5 مساءًا فأنشأت «فيونكة».

آلاء بلخي: اقبال الفتيات على «فيونكة» شجعني على الاستمرار

كانت الانطلاقة خلال عام 2011 بعد نشر صورة على الإنترنت وسعدت بتقبل الجميع للماركة ورأيت حبهم لمجموعتي الأولى واعتبروا المجموعة الأولى جديدة ومميزة، حيث أن عملي لم يقتصر على الحقائب فقط، بل قمت بتصميم أغطية للهواتف والآيباد بالإضافة لحقائب المكياج والوسادات.

وتضيف بلخي: في البداية أردت اسم العلامة التجارية الخاصة بي أن يكون باللغة العربية مع رغبتي في إضافة القوس إلى الأشياء لجعلها أجمل، فأنشأت ماركة (Fyunka) التي تعني كلمة القوس بالعامية وهو خط من التصاميم المستوحاة من التراث العربي والتي تحمل تأثيرات واضحة من الثقافة الشعبية.

فنون

دانة عورتاني: الفنون الإسلامية تستخدم على نطاق واسع في تصميم الأثاث والأقمشة والعمارة

دانة عورتاني شابة سعودية استطاعت في سنوات قليلة أن تصنع بصمة خاصة في عالم الإبداع والفن على مستوى العالم٬ تتميز عورتاني باستخدام مواد طبيعية ذات جودة عالية لاستخلاص أصباغها الخاصة، وعرضت أعمالها بشكل خاص في «سنترال سانت مارتنز» و»مدرسة الأمراء» ببريطانيا، 4 من أعمالها تم ضمها إلى مجموعة «فارجام» أحد أكبر مجموعات الفن الإسلامي في العالم. وكذلك معرض «أثر» بالسعودية.

حصلت دانة عورتاني على درجة تأسيسية في الفنون والتصميم ودرجة البكالوريوس في الفنون الجميلة من «سنترال سانت مارتنز» ثم انتقلت إلى «مدرسة الأمراء للفنون التراثية»، حيث حصلت على الدراسات العليا في الهندسة والإضاءة والأرضيات.

وحول تعلقها بالفن الإسلامي والتراث العربي توضح دانة بقولها: تلهمني الفنون التراثية وتقنياتها خلال العمل، ولدي اهتمام خاص بالعلاقة بين الهندسة والطبيعة٬ وأيضا كيفية ترجمة الحقائق المُسلم بها من خلال دمج الفن وقواعد الهندسة، لذلك أعمالي الفنية تعكس نظرة غير تقليدية إلى الفن، حيث أحاول خلق لغة مقدسة من خلال الرموز والعديد من الطبقات الفنية.

تقنيات

وتضيف عورتاني: يمكن القول إني حريصة على إعادة إحياء التقنيات القديمة للفن التقليدي الذي يعاني ليبقى في العالم المعاصر. كذلك أكمل مشاريع وطنية من خلال المدارس والمجتمعات حتى أرسخ تجربة وإحساس الناس بالفنون التراثية.

ورغم دراستها وقضاء معظم حياتها في الغرب إلا أن التراث كان له جاذبية خاصة تقول عنها: أحب أن أعرف التراث الثقافي بخلاصة التقاليد التاريخية والثقافية مجتمعة، والتي ازدهرت ورسمت معالم زمان ومكان محددين.

في هذا الإطار، التراث الثقافي يتخذ شكل الفن، العمارة، الموسيقى، الملابس، والفنون الإسلامية أصبحت بالفعل تستخدم على نطاق واسع، بالإمكان أن نرى الفن الإسلامي في تصميم الأثاث، الأقمشة، والعمارة. بالإمكان ملاحظة تصاميم مستوحاة من الفن التراثي الإسلامي مترجمة بأسلوب أو طريقة حديثة ومبسطة أكثر. وللوصول إلى النتيجة التي تريدها تدمج أكثر من تقنية تراثية في كل عمل فني مثل استخدام أدوات الهندسة كالمنقلة والمسطرة لإخراج أشكال هندسية، وإنارة التصاميم طبقا للأساليب التاريخية. والمواد التي تستخدمها مستوحاة أيضا من التراث الاسلامي الفني، حيث أن الصبغات طبيعية ومصنعة يدويًا؛ مثلًا تستخدم ذهب عيار 24 قيراط ليس فقط لتحسين للجودة الكلية للعمل، لكنه أيضًا يعكس الخلفية الدينية والمقدسة للأعمال الفنية٬ حيث أنه عمل صنع بأنقى وأجود مواد الطبيعة، والعملية الفعلية في إخراج أعمال فنية على نفس مستوى أهمية النتيجة النهائية، فهي رحلة عمل تتطلب الكثير من الصبر، والتركيز واستبعاد الأخطاء.

أما أكثر الأعمال التي تعتز بها دانة فهي لوحة «السماوات المباركة»: قطعة من السيراميك بعرض وطول 2 متر ونفذتها في 6 أشهر. تقول عنها: أعتقد أن سر حبي لهذه القطعة هو أنها نفذت بطريقة مختلفة في العمل حيث احتاجت الكثير من التعلم وتحدي الصعوبات لتنفذ بدقة. «السماوات المباركة» استلزمت مجهود بدني لم يبذل في أي من أعمالي الأخرى وتعلمت من خلالها الصبر!

القَط العسيري

كما أكدت رهاف بنت حمزة قصاص، مدير قسم المشاريع بالجمعية السعودية للمحافظة على التراث، على ما يحمله «القَط العسيري» من قيمة حضارية واقتصادية وثقافية واجتماعية، فضلًا عن ثراء هذا النوع من الفنون الشعبية والتراث المادي الذي يجسد عبقرية المرأة السعودية، وإبداعها عبر المراحل التاريخية المختلفة، الأمر الذي حدا بفن القَط العسيري ليقتحم قائمة التراث العالمي بمنظمة اليونسكو ليزيِّن قائمتها، ويضيف اعترافًا دوليًا آخر بتراث المملكة.

وأوضحت قصاص أن فن القَط العسيري يتكون من عدة أنماط، بما في ذلك الأشكال الهندسية، والرموز التي تتكون في شكل طبقات لكل منها رمزيتها ودلالتها الجمالية والحضارية. وأضافت أن عبقرية المرأة العسيرية تتجلى في مزج الألوان الأساسية (الأحمر والأصفر والأسود والأزرق) بألوان ثانوية لتظهر روعة تشكيلات فن القط العسيري وجمالياته.

المستقبل

لا يتوقف إحياء التراث على اهتمام الجهات الرسمية٬ والمشاريع الشبابية فقط٬ إنما أيضا هناك مؤسسات التقطت ذلك الوعي الإنساني بأهمية التراث٬ وعملت على تطويره ودعمه٬ ومنها مؤسسة «الفن جميل»، التي تستخدم طرق إبداعية ومبتكرة للحفاظ على التراث الثقافي المادي وغير المادي وحمايته. وفي قلب رؤية الفن جميل جهود المؤسسة لدعم المجتمعات المحلية والجمع بين الأساليب التقليدية مع التكنولوجيات الحديثة.

وبالشراكة مع مدرسة الأمير تشارلز للفنون التقليدية، أنشأت مؤسسة الفن جميل شبكة من بيوت جميل للفنون التراثية، في القاهرة وجدة وكذلك في دمفريس هاوس في اسكتلندا. وتحافظ هذه المؤسسات التعليمية الرئيسية على الفنون التراثية والحرف التقليدية، وتقوم بدعم الفنانين الشباب لتطوير التصاميم المعاصرة المستوحاة من التراث القديم، وكذلك مساعدة الخريجين في استخدام مهاراتهم في ترميم الآثار وريادة الأعمال. وبدأت الفن جميل منذ عامين في العمل في جدّة القديمة وكذلك في منطقة عسير في جنوب المملكة، وذلك باستخدام التقنيات الرقمية لتطوير الصناعات الإبداعية على مستوى المجتمع المحلي، التي من شأنها ان تعزز الفنون التقليدية والحرف اليدوية.

وتؤمن مؤسسة الفن جميل بأن الحفاظ على التراث الثقافي – سواء كان آثارًا أو مقتنيات أو حرف قديمة – هو المفتاح لإطلاق الإمكانات الإبداعية في المستقبل، وبدعم المؤسسة للصناعات الإبداعية، تهدف إلى مساعدة المجتمعات المحلية في الحفاظ على ثقافتها والتعبير عنها بطرق مستدامة.