بقلم– رانيا الوجيه
كما أن للتكنولوجيا الحديثة، خاصة كاميرا الجوال فوائد كثيرة في توثيق الأحداث وتسجيل الذكريات والمواقف، للتكنولوجيا وجهًا آخر لا يخلو من سلبيات عند إساءة استخدامها؛ لعل أبرز هذه السلبيات انتهاك الحياة الخاصة للآخرين وتصويرهم دون إذنهم أو علمهم، وتتعاظم أضرار التقنيات الجديدة إذا اقترن اقتحام خصوصيات الغير بالنشر في مواقع التواصل الاجتماعي بهدف الإساءة أو التشهير، خاصة عندما تكون الأحداث أو المواقف المصورة مسيئة أو تنتقص من الاحترام والتقدير، والوقائع كثيرة لحالات تصوير في الأماكن العامة كالمطاعم والمراكز التجارية والمنتزهات وقاعات الأفراح والمناسبات، تسببت في مشاكل وأزمات للعديد من الأشخاص، مما جعل العديد من أصحاب المناسبات أو مسؤولي بعض الأماكن، يشترطون تسليم الجولات أو إغلاق كاميراتها عند حضور بعض المناسبات، نستعرض في المساحة التالية آراء بعض مسؤولي الفنادق وقاعات المناسبات في الظاهرة، كما نسجل شهادات لسيدات مررن بتجارب شخصية متعلقة بالأمر، ونستطلع وجهات نظر رجال حول ذلك، وبالطبع نستوفي جوانب الموضوع باستيضاح الرأي القانوني في تصوير الأشخاص بالأماكن العامة والنشر في مواقع التواصل الاجتماعي، ونختتم ببيان موقف الشرع من القضية المطروحة.
القرار لأصحاب المناسبة
تقول مديرة المبيعات في أحد فنادق جدة الكبرى “عبير الكوفي” إنه لا توجد لائحة داخلية خاصة بالفندق فيما يخص التصوير، وتبقى الحرية لأصحاب المناسبة؛ إما السماح بدخول الجوالات إلى القاعة، أو يتم سحب الجوالات من الحضور قبل دخولهم إلى القاعة بالشكل التقليدي الدارج في كل القاعات والفنادق، ولكن مؤخرًا أصبح من النادر جدًا طلب منع التصوير وسحب الجوالات من الحضور.
الأشرطة اللاصقة
ومن جانبها تقول المشرفة في قاعة أفراح ومناسبات “فاطمه غيث” إنه عادة تترك حرية اختيار منع الجوالات لأصحاب المناسبة، أما مسؤولي القاعة فلا يضعون أي شروط فيما يخص منع الجوالات. وفي حال طلب أصحاب المناسبة منع دخول الحضور والمعازيم بالجوالات إلى القاعة، يكون الإجراء كالتالي؛ وضع مسؤولة عند مدخل الاستقبال ولا نضع الملصقات على الكاميرا، بل يتم سحب الجوال وحفظه برقم تكون نسخة مع الضيفة وأخرى مع المسؤولة فقط لا غير. رغم أن هناك بعض الفنادق والقاعات التي استحدثت طرق جديدة منها؛ وضع شريط لاصق على كاميرا الجوال ووضعه في كيس بلاستيكي بحجم الجهاز، وفي أغلب الأوقات يضر ذلك اللاصق كثيرًا بكاميرا الهاتف؛ مما يسبب مشكلات مع السيدات الحاضرات للمناسبة .
حل ودي
وبحسب المعلمة بالمرحلة المتوسطة بنات سارة السلطان”33 عامًا” فقد تعرضت أكثر من مرة إلى التصوير بدون إذن خلال حضورها بعض الأفراح، وتصف رد فعلها على ذلك قائلة: “حين أواجه تلك المواقف لا أبادر بالشكوى أو الشجار، بكل هدوء أذهب إلى السيدة التي قامت بالتصوير، وأطلب منها مسح الصورة أمامي وعدم تكرار الأمر مرة أخرى، وفي الأغلب أجد تجاوب سريع لذلك”.
الإذن المسبق
بينما لـ”غفران محمد” 27 عامًا وجهة نظر أخرى تقول : “أصبحنا في مجتمع منفتح إلى أبعد حد، لم يعد هناك خصوصية؛ حيث أصبحت الفتيات ينشرن صورهن عبر حساباتهن في مواقع التواصل الاجتماعي بكل حرية، وبالتالي لم تعد فكرة الخوف من التقاط الصور من قبل الآخرين مزعجة كما في السابق. وتستدرك أنها على الصعيد الشخصي تحترم جدًا خصوصية الآخرين، ولا تقوم بتصوير أيًا كان إلا بإذنه وعلمه، ومن ناحيتها ليس لديها مانع أن يقوم أحد بتصويرها مادام بعلمها وموافقتها؛ حيث هناك من يتصيد للآخرين بعض الأوضاع المضحكة أو الإستهزائية دون احترام للآخر.
قانون ضد المتطفلين
ميرفت بن سعيد “36 عامًا” موظفة في القطاع الخاص لها تجربة مختلفة، تقول :” تفاجأت من منطق إحدى الفتيات التي قامت بتصويري أثناء وجودي في مطعم، وعندما طلبت منها مسح الصورة رفضت بسبب أنني غير محجبة، ومن وجهة نظرها أنه ليس هناك مشكله من التصوير باعتباري غير محجبة”، وتؤكد بن سعيد أن كونها ليست محجبة لا يعطي الحق للآخرين بتصويرها بدون إذن؛ فذلك الأمر حرية شخصية وهي لا تسمح أن يعتدي أحد على حريتها وحقوقها الشخصىة؛ لذلك تؤيد بشدة وضع قانون يحمي الناس من الدخلاء والمتطفلين بالتصوير والتشهير.
الرجال أقل تحفظًا
هل الرجال أكثر حرصًا على عدم تصويرهم أم كونهم رجالًا لا يفرق معهم ذلك كثيرًا؟، يقول سعود السقاف”24عامًا” موظف في الخطوط السعودية: الرجال أقل تحفظًا عندما يتعلق الأمر بالتقاط الصور أو مقاطع فيديو لهم، وينقسمون إلى قسمين؛ قسم يحرص جدًا على ألا يلتقط لهم أحدًا صورًا دون علمهم، والقسم الآخر لا يكترثون لذلك؛ الذين يرفضون التصوير غالبًا يكونون مرتبطين أو متزوجين، ويخشون أن تراهم زوجاتهم عبر حسابات السوشيال ميديا؛ حتى لا يسبب ذلك لهم المشاكل.
سخرية وإضحاك
عماد السبحي”35 عامًا” موظف قطاع خاص يطالب بقانون يطبق على الأشخاص الذين يفتقرون للآداب والذوق العام ويصورون الآخرين دون علمهم، خاصة أنه في كثير من الأحيان يكون التصوير بهدف السخرية من الأخر أو للإضحاك، وهذا مخالف للقيم الأخلاقية والإنسانية.
تصوير الميت!
ويضيف السبحي: رغم أن استخدام الأجهزة الذكية مر عليه فترة طويلة من الزمان، وفرض الوضع على المستخدم شيئًا من المسؤولية، نجد الناس أصبحت تنشغل بتصوير الميت وهو يموت بدلًا من إنقاذه، وظهر أشخاص غير مسؤولين يتفاعلون مع أي حدث بتصويره، بدلًا من التدخل لحل المشكلة أو معالجة الموقف.
سجن وغرامة
ويشير المحامي محمد نايتا إلى أن التساهل في تصوير الأشخاص بالأماكن العامة والنشر في مواقع التواصل الاجتماعي من باب التسلية أو التشهير، يسبب لمرتكب ذلك السجن مدة تصل إلى عام وتحميله غرامة تقارب نصف مليون ريال؛ حيث يعد ذلك جرمًا إذا كان الدافع له المساس بالحياة الخاصة أو التشويه أو الإضرار بالأمن العام والنيل من القيم الدينية والآداب العامة، ويعاقب القائم به وفقًا لنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية في الفقرة الرابعة من المادة الثالثة، ونصها “الإساءة للحياة الخاصة عن طريق إساءة استخدام الهواتف النقالة المزودة بالكاميرا أو ما في حكمها، يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عام وغرامة لا تزيد على 500 ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين.
ومحرم شرعًا
ويؤكد الشيخ سعود الفنيسان الأستاذ في جامعة الإمام وعميد كلية الشريعة بالرياض سابقًا عدم جواز تصوير أَي إِنْسَان دون إذنه كبيرًا كان أو صغيرًا، رجلاً كان أو امرأة، مُشَدّدًا على أن التصوير من الخصوصيات التي يجب احترامها بشكل كبير. ولا يصح تصوير أَي شخص دون إذنه أيًا كان وضعه، حتى ولو كان يضحك أو يلعب، فطالما أنك لم تستأذنه فلا يجوز تصويره، فما بالك بتصوير إِنْسَان فِي حَالِ يستحيي منها، أو تصويره في أمر أو مشهد يجعله أضحوكة من الآخرين؛ هذا بالطبع من الأمور المحرمة شرعًا.