مجلة اقرا

كمال أدهم رجل المهمات الخاصة

كمال ادهم

جدة – رانيا الوجيه
يعد الشيخ كمال أدهم عرّاب علاقات المملكة مع أمريكا والغرب ومصر في عهد الملك فيصل، وظلت سيرته وتفاصيل حياته غامضة وبعيدة عن أعين وأقلام الصحافيين والإعلاميين ربما إلى يومنا هذا. ولا شك أن اسم كمال أدهم يثير ذكريات عقدين من الزمن، منذ منتصف ‏الخمسينيات إلى منتصف السبعينيات من القرن الماضي، لعب خلالهما دورًا مهمًا في خدمة المملكة العربية السعودية.
نشأته و حياته

ولد كمال أدهم في عام 1929 في المملكة العربية السعودية، وتلقى تعليمه ما بين المملكة ولبنان ‏ومصر وبريطانيا، ثم تزوج من السيدة عين الحياة بنت عثمان فوزي، وهو المستشار الخاص للملك فيصل بن عبدالعزيز – رحمهما الله – وكان مسؤول الاتصالات الخارجية في عهده، وهو الأخ غير الشقيق لزوجته الأميرة عفت بنت آل ثنيان، ، كما عمل بعد وفاة الملك فيصل – مستشارًا خاصًا للملك خالد بن عبدالعزيز – رحمهما الله-، وهو خال كل من الأمراء محمد الفيصل و‏سعود الفيصل وزير الخارجية السابق، وعبدالرحمن الفيصل، وبندر ‏الفيصل، وتركي الفيصل رئيس الاستخبارات العامة الأسبق، إضافةً إلى كل من الأميرات سارة ولطيفة ولؤلؤة وهيفاء.
تحولات كبرى

كان أدهم عضوًا في مجلس أمناء الجامعة الأمريكية بالقاهرة منذ عام 1982 حتى ‏وفاته في 1999، وفي 7 أبريل 2008 قامت الجامعة ‏بتغيير اسم مركز الصحافة الإلكترونية بها ليصبح اسمه “مركز كمال أدهم للتدريب ‏والبحث الصحفي” ومن جهة أخرى لعب منذ منتصف ‏خمسينيات إلى منتصف سبعينيات القرن الماضي، دورًا مهمًا في خدمة المملكة، خاصةً وأن تلك الفترة شهدت تقلبات كبرى في المنطقة من الناحية السياسية والاقتصادية والعسكرية؛ من حرب اليمن وحرب يونيو 1967 بين العرب والكيان الصهيوني، مرورًا بوفاة الرئيس المصري جمال عبدالناصر، وتولي الرئيس أنور السادات، ثم حرب أكتوبر 1973، والصراع بين الدورين الروسي والأمريكي في المنطقة، واكتشاف البترول في المنطقة العربية، وغيرها من التحولات التي أثرت ليس فقط على الشعوب العربية، بل على شعوب المنطقة العالم بدرجات متفاوتة.
غموض وصمت

عُرف كمال أدهم بين عامة الناس بأنه ترأس جهاز المخابرات.. لكن ذلك لم يثبت رسميًا

عُرف كمال أدهم بين عامة الناس بأنه ترأس جهاز المخابرات السعودية قبل تحويل اسمها إلى الاستخبارات العامة، لكن ذلك لم يثبت رسميًا، بل لم يدرج اسم كمال أدهم ضمن رؤساء هذا الجهاز أو حتى العاملين به، وكشف أحمد بن محمد باديب أن الشيخ كمال بن إبراهيم أدهم، كان من أهم رجال الدولة في عصر الملك فيصل بن عبدالعزيز – رحمهما الله -، لكن كثيرين من غير المقربين لا يعلمون تمامًا ماهية عمل هذا المستشار بالضبط؛ فالرجل كان شديد الذكاء، وكان يعمل بصمت لا يشعر به إلا القريبون منه جدًا، وأن كثيرين يظنون أن كمال أدهم كان رئيسًا للمخابرات، وهذا غير صحيح فلم يتول رئاسة ذلك الجهاز المهم، وكانت العلاقة بين الملك فيصل وكمال أدهم ذات شقين؛ علاقة العمل، والعلاقة العائلية، بعد أن تزوج الملك فيصل من الأخت غير الشقيقة لكمال أدهم، الأميرة عفت، عندما كان الملك فيصل نائبًا للملك على الحجاز ووزيرًا للخارجية في عام 1932.
عرّاب العلاقات
كما أكد باديب أن كمال أدهم كان عرّاب العلاقات السعودية مع ‏كل من أمريكا والغرب وإيران ومصر في عهد الملك فيصل، كان الرجل الذي يملك من الأدوات ما ‏يجعله يعرف ما يريده الفيصل تمامًا؛ فينقله أو ينفذه بصنعته ومهارته وقدراته وأسلوبه ‏المناسب، وكان للملك فيصل مكتب جمع فيه المستشارين وهم؛ الأمير ‏سلطان بن عبدالعزيز، والأمير نواف بن عبدالعزيز، والشيخ كمال أدهم، والدكتور ‏رشاد فرعون ومستشار ديني، وخصص الفيصل لكل مستشار منهم منطقة في ‏خريطة العالم، يكون مسؤولًا عنها، وكان الشيخ كمال أدهم مسؤولًا عن تأمين ‏الاتصالات السرية مع رؤساء دول وأجهزة معينة؛ لذا ظن كثير من الناس ‏أنه كان مديرًا للمخابرات السعودية التي كان يرأسها الشيخ عمر ‏محمود شمس – رحمه الله -، ولهذا فإنك لن تجد – كما ذكرنا – اسم كمال أدهم ضمن قائمة رؤساء جهاز المخابرات أو الاستخبارات العامة في المملكة، وكانت مهام المخابرات التي تم تغيير اسمها لاحقاً في عهد الأمير ‏تركي الفيصل إلى مسمى الاستخبارات العامة، كما يقول باديب يختلف تمامًا عن مهام مكتب ‏الاتصالات الخارجية الذي تولاه كمال أدهم وله مهام أمنية أخرى، وكان ذلك ‏المكتب من أهم أجهزة الدولة السرية والعلنية خاصةً في فترة التعبئة لحرب العاشر ‏من رمضان المبارك عام 1973، حيث كان لهذا المكتب دور مهم لا يعرفه إلا ‏القليلون من السعوديين والمصريين ممن كانوا على مقربة من قيادتي البلدين.
بناء حي الملز

بدأ كمال أدهم بعد تخرجه الجامعي أعماله التجارية.. وشيد حي الملز بالرياض

بدأ أدهم في مقتبل عمره أعماله التجارية بعد تخرجه من الجامعة، وعُرف كرجل أعمال من خلال شركته الشهيرة “عرين”، التي استلمت مشروعات كبرى في عقد السبعينيات الهجرية، كان من أهمها بناء حي الملز بالرياض، حيث وافق ذلك نقل الملك سعود لمقار الوزارات من الحجاز إلى مدينة الرياض، وهو ما دعا الملك أن يأمر ببناء قرابة 1000 وحدة سكنية على 3 نماذج؛ الفئة الأولى للمديرين العامين، والثانية للموظفين العاديين، والفئة الثالثة عبارة عن “فلل” من دور واحد لمن ليس له إلاّ عائلة واحدة، كما بنيت عمارتين كبيرتين للعزاب ووزعت عليهم شققًا سكنية، فكانت خطوة عظيمة جدًا في حينها؛ هذا ما ذكره المستشار خلف عاشور في كتابه “مررت من هنا”، والحقيقة أنه تم تشييد 3 عمارات وليس عمارتين، وربما أن العمارة الثالثة شيدت فيما بعد وكانت جميعها على شارع الستين بالملز، وقد استلمت شركة عرين المملوكة لـ كمال أدهم المشروع، وتم تشييد منازل وعمارات حي الملز وحي البحر الأحمر، وهو الجزء الموازي لشارع جرير، كما شيدت عددًا من المدارس، ولذا كان ولا يزال أهالي الرياض يطلقون على الجزء المجاور لشارع الجامعة حي عرين نسبةً للشركة التي استلمت المشروع.
ثقافة ووعي

وذكر الشيخ أحمد صلاح جمجوم – رحمه الله – في كتابه (أحمد صلاح جمجوم يتذكر)، أن الشيخ كمال أدهم شخصية معروفة سواء في دورها الحكومي كمستشار للملك فيصل ثم كمسؤول عن مكتب الاتصالات الخارجية أو في مجال التجارة والأعمال، وأنه كان شخصية مميزة بخلق وعفة وثقافة عالية ووعي وذكاء وحكمة، وكان رجل أعمال له نشاط كبير في مشروعات التنمية، وقد أسهم خاصةً بعد تركه للعمل الحكومي في العديد من المشروعات الرائدة، وقد خدمته سمعته كشخصية نزيهة وصادقة ومخلصة ويمكن الاعتماد عليها.
اليد البيضاء

ويقول الشيخ أحمد باديب إن كمال أدهم كان سببًا في تعيين وزراء كثر بتزكية منه، حيث كان الملك فيصل يقبل تزكيته في الأشخاص الذين يرشحهم لأعلى المناصب، مشيرًا إلى أعماله الخيرية ومستدلًا ببعض المواقف التي عايشها أو سمع بها، لاسيما أثناء إقامة أدهم في مصر، موضحًا أن لدى الرجل قوائم بكثير من العائلات الفقيرة في المملكة ومصر ‏وغيرها من ‏البلاد يرسل إليهم مرتبات ومعايدات تتجاوز ملايين الريالات، ‏وكان له ‏شركات تعمل في أهم الأعمال كالمقاولات والديكور والطيران والأدوية ‏والصناعات ‏المختلفة، كما كان يملك الكثير من الوكالات لبعض شركات النفط، التي ‏تدر عليه ‏الملايين، لكونه رجل أعمال من الطراز الأول يعرف كيف تستدر ‏الأرباح.
ثقة كبيرة
وقال محمد عنان: إن الملك فيصل يحرص على أن يكون حوله مثقفين من مستوى رفيع، وقال عن كمال أدهم إنه: كان رئيس الاتصالات الخارجية، وأنا أعتبره ظاهرة، متمكنًا من ضبط الاتصالات الخارجية مع الملك فيصل بطريقة لا يوجد أذكى منها أبدًا؛ الاتصال بين الملك والرؤساء وليس بين جهاز استخبارات أو مخابرات، كان هو كل شيئ فمثلًا؛ في المهمات الشخصية والخاصة كان يذهب هو شخصيًا ولا يكلف سفيرًا أو غيره، ولذا كان الملك فيصل يثق به ثقة كبيرة وكان أدهم يتكلم 3 لغات؛ العربية والإنجليزية والفرنسية.
وفاته
توفي كمال أدهم في يوم 19 – 7 – 1420هـ، 29 أكتوبر عام 1999، عن عمر ناهز ‏71 عامًا، حيث وافته المنية إثر نوبة قلبية في العاصمة المصرية القاهرة‎، وشيّع جثمانه في مكة المكرمة، حيث دفن بها، بعد أن خلف من الأولاد مشعل وسارة و فيصل وسلطان ، ونعاه الديوان الملكي، ووجه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز برقية عزاء ومواساة لابنه مشعل وإخوانه.
يقول الشيخ أحمد باديب متذكرًا زيارته الأخيرة لكمال أدهم في القاهرة: ذهبت إلى زيارته في مصر بمنزله الذي كان نادي لكل كبير وأمير وقال لي: يا أحمد أنا أريد أن أنام ثم أستيقظ لأقرأ صحف اليوم ثم أعود لأنام ولا أستيقظ حتى لا أشعر بأي ألم من الآلام الموت، وكأنه رحمه الله يريد القول إنه يريد الموت وهو نائم، وقد أجاب الله دعوته .