«أهيم بروحي على الرابيه/ وعند المطاف وفي المــروتين / وأهفو إلى ذكرى غـــــاليه/ لدى البيت والخيف والأخشبين/ فيهدر دمعي بآمـــــــــاقيه/ ويجري لظـــاه على الوجنتين/ ويصرخ شوقي بأعمــاقيه/ فأرســل من مقلتي دمــــــعتين»؛ بهذه الكلمات التي تملأ القلوب شوقاً إلى البيت الحرام، تغنى الشاعر المكي طاهر زمخشري حنييناً إلى مكة، تصف حال عشّاقها وحجيجها.
مكة التي كانت ولا تزال تُشد اليها الرحال؛ تعددت اسمائها من زمن الجاهلية حتى يومنا هذا؛ وهو ما يبدو واضحاً في سبب تسميتها بهذا الإسم حيث ورد ان العرب قديماً كانوا يحجون اليها ويمكثون فيها؛ فيما جاء اسم «بكة» كونها تحرم على من فيها الفجور لحرمتها؛ وبسبب موسم الحج الذي نادى اليه أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام؛ ونظراً لقداستها وجعلها مكاناً تهفو له القلوب، ولصعوبة ومشقة الوصول اليها، وبسبب جغرافيتها الصحراوية وحرارة طقسها؛ التي تحيط بها الجبال؛ تغنى كثير من الشعراء والفنانين بها.
يأتي الشاعر طاهر زمخشري في مقدمة؛ من كتب للوادي المقدس؛ في التاريخ الحديث؛ أثناء فترة اقامته في قاهرة المعز؛ وجاءت كلمات القصيدة لتصف تفاصيل لا يعرفها الا من زار مكة والبيت الحرام، وشعر بالهالة الروحانية التي كانت ولا زالت تحيط بالمكان؛ حيث يتجلى الله بجلاله في البيت المعظم وهو ما وصفه زمخشري في قوله:
فإن طاف في جوفه مسهد/ وألقى على سجـــــفه نظرتين /تــــــراءى له شفق مجهد/ يواري سنـــا / الفجر في بردتين / وليس له بالشجـــــا مولد / لمغترب غــــــــــائر المقلتين / أهيــــــــــم وقلبي دقـــاته / يطير اشتياقاً إلى المسجــدين / وصدري يضج بآهــــــاته.
وفيما يسترتسل الزمخشري هائماً في بحر ذكرياته حول البيت، يصف حال الحجيج عند الإنتهاء من رحلة الحج ولسان حالهم يردد: أهيــــم وفي خاطري التائه / رؤى بلد مشرق الجـــــــانبين /يطـــــــوف خيالي بأنحائه / ليقطع فيه ولو خطــــــــوتين/ أمـــــــــرغ خدي ببطحائه /وألمس منه الثرى باليــــــدين / وألقــــــــي الرحال بأفيائه/ وأطبع في أرضــــــــه قبلتين
القصيدة التي تغنى بها الراحل محمد علي سندي؛ بلحن من الفلكلور الحجازي؛ لاقت صدى واسع في ذلك الوقت ولا تزال الأغنية حاضرة؛ في ذاكرة الحج؛ كلما حلّ موسمه؛ فيما تغنى بالقصيدة الزمخشرية كثر من الفنانين السعوديين على رأسهم عميد الأغنية السعودية طارق عبد الحكيم؛ بالإضافة لطلال مداح؛ وفنانين شباب من جيل السبعينات ولازالت تغنى في الصالونات الفنية التي تقيمها المكييّن؛ فيما يأتي الفنان يحي لبان ضمن قائمة من تغنى بهذه الكلمات.
اما عن قيثارة الشرق وصوت الأرض طلال مداح فكان له حظ الأسد من أغنيات الحج؛ كونه الفنان الذي يسجل رصيده الغنائي كثير منها «يا حج يا مبرور»؛ من كلمات سعيد الهندي وألحان مطلق الذيابي؛ واغنية «يا حادي قوم»؛ وكذلك «لبيك إلهي» من ألحانه وكلمات سعيد الهندي، وتقول كلماتها: لبيك إلهي يا سند/ لبيك فأنت المعتمد/ أنت الباري/ أنت الهادي / لبيك أتيت إلى الحرم / لأطوف وأحظى بالنعم / لبيك وجئت إلى المسعى / أدعوك يا رب الكرم.
فيما تأتي اغنية «يا لابس الإحرام» التي كتب كلماتها جواهرجي الأغنية السعودية الشاعر إبراهيم خفاجي؛ ولحنها وغنّها طلال؛ لاقت نجاحاً كبيراً منقطع النظير تقول كلماتها: يا لابس الاحرام / يا رائع الفتنة / يا مطول الاكمام/ للذوق والحشمة / بين الحجر والحجر / بتدعي رب البيت. ويعتبر طلال مداح الأقرب صوتاً للجماهير؛ الأمر الذي انعكس ايجاباً على انتشار هذا اللون من الغناء الديني.
ولم يقف امر الغناء الديني لموسم الحج؛ عند الأغنية السعودية؛ بل تجاوزت الحدود لنجد فنانين عرب والمصريين منهم بشكل خاص قد تغنوا بالحج؛ فتأتي أغنية «القلب يعشق كل جميل»؛ التي غنتها أم كلثوم من ألحان رياض السنباطى وكلمات بيرم التونسى الذي قام بتسليمها قبل رحيله لكوكب الشرق، وهي كلمات تتحدث عن الحب الإلهى وعن السلام الداخلي اللذي يتحقق بزيارة البيت الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم. الجدير بالذكر ان ام كلثوم غنتها بعد وفاة بيرم بعشر سنوات.
كما غنت ليلى مراد أغنية «يارايحين للنبى الغالى»؛ وقدمتها على إسطوانات وذلك بالطبع بعد إشهار إسلامها. وتأتي اغنية «غنيت مكة» للصوت الملائكي فيروز واحدة أيضاً من أشهر الأغنيات التي ذاع صيتها ولاقت نجاحاً جماهيرياً والتي كتب كلماتها الشاعر اللبناني سعيد عقل ولحنها الأخوين رحباني تقول كلماتها: غنيت مكة أهلها الصيد والعيد يملؤ أضلعي عيدا/ فرحوا فلألأ تحت كل سما بيت على بيت الهدى زيدا/ وعلى أسم رب العالمين على بنيانهم كالشهب ممدودا/ يا قارئ القرآن صلي لهم أهلي هناك وطيب البيدا/ من راكع ويداه أنساتاه أليس يبقى الباب موصودا/ أنا أينما صلى الأنام رأت عيني السماء تفتحت جودا.