بقلم: السعد المنهالي
أتجنب كثيراً الانزلاق في ورطة متابعة أو تتبع شجارات وسائل التواصل الاجتماعي، وللأسف حدث ما تجنبته. يبدو هذا الانزلاق شبيهاً بسريان مادة مخدرة إلى جسدك فتذهب من دون وعي إلى ذاك الهاشتاق أو الحساب لمتابعة آخر ما تفجرت به قريحة المشاركين فيه! تذكرت مقولة أعرفها منذ زمن بعيد تقول:”الدم يثير الدم”، وتعنى مجازياً أن الإنسان كلما توغل في الجُرم أصبح مولعاً به أكثر. بالتأكيد للتخلص من ذلك التوغل «البشع» يجب أن يكون الوعي حاضراً وبقوة، وهو فعل صعب جداً، نتشدق به كثيراً ولا نتمكن منه إلا نادراً.
ممدوح عدوان في كتابه «حيونة الإنسان» يعرض حالة «الدم الذي يثيره الدم» من منظور آخر، من دون استخدام هذه العبارة، معتبراً أن البيئة هي المحفز الأساسي لحيونة الإنسان، وبالتالي يتعرض للآخرين ويفقدهم حقهم الإنساني، بعد أن يكون فقد إنسانيته، وهو ما يبدو غريباً جداً في واقع تبدو فيه بعض البيئات سوية وإيجابية، ورغم ذلك يجنح البعض فيها للتوحش، سواء بقمع الآخرين وإذلالهم أو تقزيمهم.
المثير في هذا الموضوع هو أن ذلك يحدث في أجواء افتراضية وليس في الواقع. صحيح أن تداعياته مباشرة في واقعنا غير أنها تبدأ هناك، في الفضاءات الإلكترونية؛ حيث ملايين الأقنعة والأسماء المستعارة والتزييف المعلوماتي والفبركة في الصورة والمشهد. وهي أدوات الجلاد الإلكتروني المتوحش التي لم يشر لها ممدوح في كتابه الذي نشر عام 2003 قبل هذه الثورة، التي نشهدها في وسائل التواصل الاجتماعي.
هناك استعداد كبير لا حدود له في استمراء القبح عبر استحسان إذلال الناس وتقزيمهم. العجيب أن هذا وأكثر في حالات خصومة لا تستدعي ذاك القدر؛ صحيح أن أغلب ذاك الجلد الذي يبدو كأنه يصدر من ماء آسن، لا يلبث أن يخمد فجأة وكأنه لم يكن، إلا أن تداعياته على النفس الإنسانية التي أصبحت تتعامل معه كأمر «اعتيادي» هو ما يخيف جداً بل ويُرعب! للأسف.. لقد أصبح بيننا أولئك الذين يتباهون علنا بعدائيتهم الشديدة من دون اعتبار للذوق الإنساني، -وأنا هنا أقصد على الصعيد الافتراضي إذ مازال أغلبهم يتحركون من وراء قناع- ويجدون من يثني عليهم ويصفق لهم. أما الجانب الأكثر قسوة لتلك العملية، «العبرة» المتحققة التي يستوعبها العامة.. والتي قد تحول بيئتهم إلى مكان خصب لحيونة البشر.