مجلة اقرا

“تركي السديري” الصحافي الذي ترجل عن صهوة جواده

بقلم: أميمة الفردان

لقبه الملك الراحل عبد الله آل سعود بـ “ملك الصحافة”؛ وذلك لم يأتي من فراغ بل جاء تكريماً لمشوار ناهز الـ 40 عاماً قضاها تركي السديري؛ في بلاط صاحبة الجلالة ممتطياً صهوة جريدة الرياض؛ وعندما ترجل عنها مستقيلاً بعدما أرهقته؛ متمنياً قبول تلك الإستقالة؛ لم يكن الأمر سهلاً على عاشق قرر التخلي عن محبوبته ملكة المتاعب؛ إلا أنها ظلت حتى لفظ السديري أنفاسه الأخيرة حبه الأول والأخير؛ تلك بإختصار قصة السديري مع الصحافة.

إلا أن الجانب الآخر للسديري اللذي لم يتسنى لكثيرين معرفته؛ أن السديري لم يولد وفي فمه ملقة من ذهب؛ وهو ما عاشه في موطن ولادته مدينة الغاط الصغيرة التي وصفها بـ ” الأرض القاحلة الجدباء التي تقتل الأحلام والطموحات”؛ وبالتالي لم تتح له حال الكثيرين حينها فسحة للحلم ناهيك عن شغب الأطفال؛ لكن انتقاله لمدينة الرياض فتح أماه باباً واسعاً للدراسة والقراءة المكثفة لأرباب القلم في الوطن العربي في ذلك الوقت من أمثال توفيق الحكيم والمنفلوطي والسباعي؛ بالإضافة لنهله من الأدب العالمي الروسي والفرنسي والأدب الأمريكي الزنجي منه بشكل خاص.

هذه القراءات مكنت السديري من صنعة الكتابة؛ الأمر الذي انعكس ايجابياً على طريقة كتابته ومنحته فرصة كتابة المقالات في عدد من الصحف التي كانت تصدر حينها؛ وخاصة كتابة المقال الرياضي الذي تفوق فيه على كثيرين من أبناء جيله؛ بالإضافة للكتابة الإبداعية؛ ما جعل منه كاتباً من الطراز الرفيع رفعه ليعتلي منصب رئاسة تحرير جريدة الرياض على مدى أربعة عقود؛ وهو ما منحه وحده فرصة أن يعتلي بالتالي هرم هيئة الصحفيين السعوديين واتحاد الصحافة الخليجية.

السديري الذي قضى عمراً في الصحافة السعودية واكتسب شهرة كبيرة من موقعه في رئاسة تحرير الرياض؛ جعلت منه وجهة يقصدها الصحفيين والإعلاميين؛ للظفر بتصريحاته النارية؛ التي تحتل الصفحات الأولى؛ ناهيك عن استضافته في كثير من اللقاءات التلفزيونية؛ لمناقشة قضايا الساعة سواءً على المستوى المحلي او الدولي بالإضافة للمشاركة في الندوات والمؤتمرات؛ إلا أنه لم يصل لرئاسة التحرير؛ إلا بعد صولات وجولات في بلاط صاحبة الجلالة؛ وعبر تدرج من التحرير الرياضي إلى سكرتارية التحرير حتى بلوغه الهرم الإداري للصحيفة.

السديري ربما يكون واحداً من أشهر رؤساء التحرير في السعودية؛ وربما يكون أحد الأسباب العقود الأربعة التي اعتلى فيها هرم صحيفة الرياض المتتالية؛ إلا أن هناك جوانب اخرى في شخصيته كانت تلعب دوراً آخر في حضوره داخل المشهد السعودي للصحافة منذ بدايتها؛ بالإضافة لإهتماماته الأدبية وتنوع مقالاته وتنوع التوجهات للصحف والمجلات التي كتب بها؛ حتى وصل لزاويته الأخيرة “لقاء”؛ واسهاماته الكبيرة في تطوير الصحيفة التي احبها وقام بتوقيع صك انفصاله عنها ليكتب بذلك نهاية قصة عشقه لمهنة المتاعب، ويترجل عن صهوة جواده الرابح “جريدة الرياض”.