بقلم:السعد المنهالي
كنت وما زلت أستمع للأمثال الشعبية المتوارثة في مختلف الثقافات العربية بإعجاب مخلوط بكثير من الدهشة من قدر الحكمة التي كان يتمتع بها الأوائل، وحجم البراعة اللغوية التي كانت تسعفهم في تكثيف خبراتهم الحياتية بعبارات عميقة وسهلة الحفظ والترديد وذات رنين موسيقي، غير أني لاحظت توقف قدرة الأجيال اللاحقة على إنتاج هذا النوع من أشكال التعبير الشعبي رغم كثرة الأحداث وتعدد وسائل الاتصال وتعقد الحياة وحدة تجاربها، لكن – وعلى ما يبدو – لا يتعلق الأمر بحجم التجارب التي يمر بها الإنسان، وإنما بمساحة التأمل التي كانت متوافرة للأجيال تلك، والتي مكنتها إلى استخلاص العبر والأحكام وبالتالي نسجها عبر أمثال بينما الحال معنا مختلف.
منذ ما يقارب خمسة أعوام توقفت بمشاركة زميل صحفي أمام حالة عجزت عن تفسيرها، فرد بسرعة بالقول: «لما ربنا وزع الأرزاق محدش رضي برزقه.. ولما وزع العقول كل واحد رضي بعقله».
لوهلة استغفرت الله ولم أستوعب «المثل»، ولكني أدركت فيما بعد معنى المقولة التي تختصر غرابة البشر غير الراضين والمستصغرين دوماً لما منحهم الله من رزق مادي، وطامعين إلى ما في يد غيرهم، بينما ذات هؤلاء البشر يعتقدون أن لديهم من العقل ورجاحته الكثير ما لم يمنحه الخالق لغيرهم الذين يرون أن عقولهم صغيرة! كنت وما زلت أتذكر هذا المثل بالكثير من الإعجاب والتقدير لصاحب هذه الخلاصة التي تعلمتها في ذلك الوقت، رغم أنها واقع أشهده كل يوم.
تحيطنا أجواء مشبعة بالضجيج والسرعة، أجواء تحد من قدرتنا على تأمل العبر واستخلاص الحكم وصنع الأمثال.
نحن مرتبكون طوال الوقت، منغمسون في فوضى لا علاقة لنا بها في أغلب الأحيان، وهي أوضاع وأحوال لا مجال لنا في تغييرها، غير أننا قادرون على إعادة قراءة الموروث وتأمله ومقاربته مع الواقع.
فهؤلاء الذين صنعوا أمثالاً بهذا العمق يملكون عقولاً صافية قادرة على استخلاص حكمة أصبحت عصية على عقولنا.. التي نعتقد – وهماً – أنها الأفضل.