التحرش في أماكن العمل، ظاهرة موجودة في كل المجتمعات طوال الوقت، ويختلف البعض على حجم انتشارها في المجتمع العربي ؛ بين التهوين والتهويل ، (اقرأ) استطلعت آراء عدد من المختصين والمهتمين ، أرجعوا أسباب التحرش إلى ضعف الوازع الديني، وغياب التنشئة الاجتماعية الصحيحة والمتوازنة ، واهمال التوعية بطرق وطبيعة العلاقة مع الآخر ، وترك المجال لتصورات ذهنية متراكمة ، تخلف مشاكل اجتماعية وسلوكية عند الخروج والتعامل في الفضاء العام، الرأي القانوني يشير إلى أن عدد قضايا التحرش قليلة ، لأنها لا تصل للجهات الرسمية ؛ حيث يتم معالجتها في نطاق ضيق ؛ لحساسية وحرج الموضوع ، وإن كانت العقوبات تقديرية تعزيرية يرجع تقديرها إلى القضاء ، حسب طبيعة التحرش؛ حيث تصل إلى السجن أو الجلد أو كلاهما، المختصون طالبوا بالاهتمام بالتربية والتوعية وتفعيل القانون ، مؤكدين أن الأمور في تحسن ، في ظل الانفتاح الاعلامي وتغير الثقافة المجتمعية.
تنشئة وتصورات متراكمة
بدايةً يقول الباحث والمتخصص في حقوق الإنسان معتوق الشريف أنه ليس هناك سبب محدد لانتشار التحرش الجنسي في العمل ، وأن هذه السلوكيات ناتجة عن التنشئة الاجتماعية والتصورات التي تراكمت في الأذهان، والتي تبرز بشكل مفاجئ في المواقف اليومية ، وأن سلوك التحرش يكون نتيجة لغياب الحوار المنزلي أولاً والحوار بين الجنسين ثانيا، وأيضا غياب التثقيف ، إضافة إلى الفراغ العاطفي ؛ الذي أوجدته بعض العادات والتقاليد الاجتماعية عند كلا الطرفين وعدم الانفتاح على الآخر .
وغياب توعية
ويضيف أنه علينا عند تشريح هذا السلوك أن نتذكر أننا نعيش حالة تحول في تعاملاتنا اليومية، فكلا الجنسين والفتاة على وجه الخصوص خرجت من البيت المغلق إلى فضاء العمل ، وهو فضاء جديد عليها لم تتلق التوعية الكافية للتعامل معه، وفي ظل تصورات ذهنية عن الرجل بأنه وحش ، ويطالب الشريف بأهمية تبديد هذه الثقافة الإقصائية ؛ بالدورات والمقررات الدراسية من قبل المؤسسات التعليمة، التي من ادوارها التثقيف وإعداد الشباب والفتيات لسوق العمل.
وتربية أيضا
ويلفت الشريف إلى أن غياب التربية الجنسية بمفهومها الواسع ، البعيد عن فكرة أنها محصورة في العلاقة الفسيولوجية بين المرأة والرجل، يخلف مشاكل اجتماعية ، ويبقي العلاقة بين الجنسين أسيرة لتصورات مغلوطة ومحصورة فقط في اتجاه واحد ، دون ادراك بأن التربية الجنسية هي منطلق لتربية الأخلاق الحميدة التي يحملها كل جنس عن نفسه وعن الآخر وكيفية التعامل معه ، ويدعو لتشجيع ثقافة أن الفارق في الجنسين لا يعني إعطاء أفضلية لجنس على آخر، بل الاحترام بشكل متبادل لإدامة الحياة بكل تفاصيلها دون عقد تجاه الجنس الآخر.
سوء الفهم أحيانا
وبحسب الشريف ، البعض وفقاً للتصورات الذهنية التي يحملها ، يفسر حسن الخلق كالتحية بالسلام والاستماع الجيد وانتقاء أجمل الكلام والإصغاء للأخر والتبسم في وجهه والتعامل بتلقائية والتعاطف معه لفهم مشكلته ، بأن وراءه تحرش ، هذه التصورات موجودة في عقول البعض ، إلا أنها بدأت في التلاشي بعد الانفتاح الاعلامي وتغير الثقافة المجتمعية ، ومن يتكئ عليها حاليا ويعتبر هذا التعامل تحرش جنسي، يعاني من إعتلال نفسي يقوده إلى التطرف السيئ في التعامل مع الآخر ، وهذا هو الباعث لما يتردد حاليا عند البعض بأن هناك حالات تحرش جنسي في المجتمع.
الزمالة بحدود
وأرجعت الاخصائية الاجتماعية أميرة العطاوي أسباب انتشار التحرش في العمل إلى التهاون في رسم الحدود بين الزملاء قائلة : زميل العمل يبقى زميل عمل، الاحترام المتبادل مهم جداً ، لكن دون تجاوز للحدود المبنية، بالإضافة إلى أن السكوت عن خطأ الآخر يؤدي لتفاقم المشكلة، ولا يوجد عقاب رادع من المنشأة ، سواء بالإنذار أو الحسم من الراتب ، أو أي إجراء آخر من الإدارة للحد من التجاوزات السلوكية في العمل وبين الزملاء.
التصرفات “شخصية”
وتضيف أن احترام الشخص لنفسه ينعكس على احترام الآخرين له؛ كل شخص مسؤول عن تصرفاته وردود فعله ، لا يمكننا السيطرة أو تغيير تصرفات الآخرين ، لكن يمكننا السيطرة وتغيير تصرفاتنا؛ وكلما وضع الشخص الحدود المناسبة لزميل العمل ، كلما استطاع السيطرة على كل ما يبدر من زملاءه .
ظاهرة عالمية
وترى الاخصائية الاجتماعية والنفسية اعتدال عطيوي أن التحرش في العمل أو الأماكن العامة ظاهرة تحدث في كل المجتمعات الإنسانية، وكل الدراسات والبحوث الاجتماعية والنفسية على مدى سنوات طويلة، تؤكد أن للتحرش أنواع منها العفوي والمخطط ؛ العفوي غالبا في الأماكن العامة ، أما المخطط فهو في أماكن العمل والجامعات والمدارس المختلطة ، حيث يكون اللقاء يومي.
تفعيل القانون
و تنوه إلى أنه لا يمكن تجنب التحرش بصورة مطلقة ، لأنه يمكن حدوثه في كل زمان ومكان ، والنوع المخطط هو الأكثر خطورة ، ويستوجب المعالجة بصرامة من خلال قوانين قوية تحكم الطرفين، وتفصل بينهما بعدل حقيقي ، أما تخفيف التحرش في الأماكن العامة؛ فيكون عن طريق التوعية الاجتماعية وايقاظ الحس الديني والشعور بالمسؤولية، وترسيخ قيم المروءة في التعامل بين أفراد المجتمع من الجنسين ليس بالأمر السهل ، بل يحتاج إلى جهود مجتمعية من الجهات الرسمية والأهلية على السواء.
وتختتم الاخصائية الاجتماعية والنفسية بأن : مجتمعنا يعاني من النوع الثاني من التحرش “المخطط “، ويمكن مواجهته عن طريق تفعيل القانون وتطبيقه بشده في القضاء ، وأيضا داخل المؤسسات وأماكن العمل المختلفة.
العقوبة تقديرية تعزيرية
من جهة أخرى أوضح المحامي والمستشار القانوني سليمان حلواني أن هناك عقوبات تقديرية تعزيرية لمواجهة التحرش، يرجع تقديرها إلى القضاء حسب طبيعة التحرش؛ فقد تصل هذه العقوبات إلى حد السجن أو الجلد أو كلاهما، حسب طبيعة التحرش باللفظ أو اللمس، فكل ذلك محل نظر واعتبار أمام القضاء، وهذا يكون حال إحالة الواقعة إلى الجهات الرسمية المختصة ، حيث أن بعض هذه الحالات تنتهي داخل مقر العمل ، وتكون العقوبة حسب طبيعة التحرش وتكراره من الموظف ؛ إما بالنقل داخل أقسام أو فروع الشركة ، أو بالفصل اذا تكرر الأمر .
حساسة ومحرجة
ويشير إلى أنه ثمة وقائع لا نعلم عنها؛ لطبيعة وحساسية هذه الأمور ، وباعتبار أن في شيوعها نوع من الإحراج، وينصح حلواني بأن تبادر المتضررة وتضع حداً لذلك ؛ إما عن طريق العمل أو بالتقدم للجهات الرسمية، حتى لا تتكرر الواقعة، وحتى يتم وضع حد للجميع
قضايا محدودة جداً
ويوضح المحامي والمستشار القانوني أن قضايا التحرش محدودة جداً ، وأحيانا تكاد تكون معدومة؛ كونها تٌحل داخل محيط العمل، ولا يتم التوجه للجهات الرسمية والشرطة والنيابة إلا فيما قل ، وذلك لخصوصية الأمر وحساسيته وارتباطه بسمعة الطرف الذي وقع عليه هذا الجرم والتصرف غير الأخلاقي ، خصوصا أن شيوع هذا الأمر ، يؤثر على سمعة المرأة.
ضعف الوازع الديني
واستطرد حديثه قائلاً التحرش في العمل أو بشكل عام هو من التصرفات النابعة من ضعف في الوازع الديني فالواجب على الإنسان اذا وقع نظره على ما يدخل الاعجاب في نفسه من الطرف الآخر ان يصرف نظره ويغض بصره حيث قال سبحانه وتعالى في سورة النور الآية رقم ٣٠ (( قل للمؤمنين يغضو من أبصارهم )) فالاية الكريمة تدل وتامر على غض الإبصار فالملامسة من باب أولى فعن عائشة رضي الله عنها قالت عن الرسول صلى الله عليه وسلم (( والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة وما بايعهن إلا بقوله )) فهذا هو قدوتنا عليه افضل الصلاة والسلام.
ثانيا: من ضعف وتدني في أخلاق هذا الشخص الذي قام بهذا التصرف الغير أخلاقي فالواجب على الأشخاص في العمل رجالا ونساء وضع الحدود بينهم في العلاقة بحيث ان لا تتعدى هذه العلاقة حدود العمل بحكم ان ما فرض وجود هذه العلاقة وهذا التعامل هو العمل فيجب ان لا تتعدى العلاقة حدوده كما ان اعرافنا وعاداتنا وتقاليدنا المتعارف عليها في مجتمعاتنا تنبذ مثل هذه التصرفات وبطبيعة الحال يجب على المرأة الالتزام باللباس المناسب الغير ملفت للانتباه وعدم المبالغة فيه حتى لا تثير أنظار من حولها من الرجال .
ضوابط لسلوكيات العمل
من جهة أخرى أكد مصدر في وزارة العمل والتنمية الاجتماعية وصندوق تنمية الموارد البشرية، أن هناك ضوابط لسلوكيات العمل، حيث تنص المادة (38) من نظام العمل: “أن على جميع العاملين الامتناع عن القيام بأي شكل من الأشكال الايذاء أو الإساءة الجسدية أو القولية أو الايحائية أو باتخاذ موقف يخدش الحياء أو ينال من الكرامة والسمعة أو يقصد منه استدراج أو اجبار أي شخص إلى علاقة غير مشروعة” .
ويضيف المصدر أن المادة (39) تنص على أنه :”يعتبر من قبيل الايذاء جميع ممارسات الإساءة الإيجابية أو السلبية وجميع اشكال الاستغلال أو الابتزاز أو الاغراء أو التهديد سواء كانت جسدية أو نفسية أو جنسية والتي تقع في مكان العمل من أصحاب العمل على العامل أو من قبل العامل على صاحب العمل أو من قبل عامل على آخر أو على شخص موجود في مكان العمل، وتعتبر المساعدة والتستر على ذلك في حكم الايذاء، ويعتبر من قبيل الايذاء المقصود ما يقع باستخدام أية وسيلة من وسائل الاتصال سواء بالقول أو الكتابة أو الإشارة أو الإيحاء أو الرسم أو باستخدام الهاتف أو بالوسائل الالكترونية الأخرى.