هل يستعيد «مسرح الدمى» الصمود أمام «أبطال الديجيتال»؟
إقرأ
حوار – آمال رتيب
تربى وجدان أجيال ما قبل التكنولوجيا على “الدمي”٬ تلك العروسة الخشبية التي تحركها بعض الخيوط من خلف الستار٬ تهبط من أعلى بخيال وآفاق تأخذ معها عقول الصغار والكبار في كل حركة وضحكة٬ لتعلمهم قيمة إنسانية يستجيبون لها دون تردد٬ وظلت الدمى صامدة مع كل تحديث يطرأ على وسائل ترفيه الأطفال٬ ولكن هل الحال ما زال كما هو مع أطفال الديجيتال؟
الدكتور رضا حسنين عرفات أستاذ المسرح٬ ومخرج مسرح العرائس والحاصل على جائزة أفضل عرض مسرحي من المركز الفرنسي وله رؤية خاصة حول العرائس وما يمكن أن تقدمه من متعة فكرية وترفيهية للأسرة ككل٬ ويرى أن المؤسسات المدنية المهتمة بالطفل بالمشاركة مع الجهات الرسمية من وزارات ومؤسسات دولة عليهم مسؤولية مشتركة في إعادة الطفولة وتوازنها بعد اختطافها من التكنولوجيا الحديثة.
وأكد في حواره مع «أقرأ» أن “الدمى” لها سحر لا يضاهيه سحر آخر٬ ويقول: السعادة التي نشاهدها في وجوه الكبار والصغار أثناء وبعد العرض تشهد بذلك٬ وهناك تطورات كبيرة طرأت على صناعة وشكل الدمى (العرائس) في التقنية الخاصة بالدمية٬ ولكن قيمتها التشكيلية ثابتة٬ ونشأت الحاجة لأنواع عرائس جديدة كعرائس الطاولة والعرائس الورقية٬ فهناك قسمان موجودان: عروض “الريبريتوار” وإحياء القديم٬ وعروض حداثية تتواكب مع الجديد.
ويستدرك د. رضا بقوله: لكن يجب على صانعي عروض العرائس الاستعانة بالتقنيات الحديثة على فضاء المسرح ليجذب شرائح مهتمة بالتقنية الجديدة مثل الجرافيك والمسرح الأسود والاساليب الحديثة في الاضاءة والابهار بجوار العروسة كقيمة تشكيلية.
نصوص وموسيقى
وليست هذه الوقفة الوحيدة التي تعرقل مسيرة “العرائس” من التواجد بقوة٬ ولكن بحسب د. رضا أن النص المسرحي الموجه للدمى أصبح قليل٬ وأصبح وجوده نادرا٬ ولكنه لم ينتهي٬ ويعتبر أن تحديد الأهداف التربوية والتعليمية والترفيهية التي تدفع كاتب نصوص مسرح “الدمى” للتفرغ والإجادة من أهم المحفزات للحفاظ على هذا الفن وتطويره.
وأوضح أن اختيار النصوص والموسيٍقى أو الأغاني المصاحبة للعرض لتلائم الأجيال الجديدة يتم بواسطة لجان داخلية ولجان خارجيه تهتم بمعايير علمية دقيقه لاختيار العمل الملائم للطفل بمراحله العمرية المختلفة وتلائم طبيعة السن الموجه له العمل الفني٬ ويتم اعتماد اللغة العربية الفصحى كلغة بيضاء محايدة في العروض٬ للابتعاد بالنص المقدم للأطفال عن اللهجات المحلية.
الدمى تواجه
تجوب فرقة مسرح العرائس العديد من بلاد العالم٬ شرقا وغربا٬ ومن الصين إلى روسيا٬ ومن الهند إلى البرازيل٬ وكان للدكتور رضا وفرقته المصاحبة تجربة يعتبرها فارقة على مسارح المملكة٬ ويقول عنها: هناك تعطش كبير من الأطفال لمشاهدة مسرح العرائس٬ واستجابتهم وتركيزهم كان كبيرا٬ ونحن بصدد التحضير قريبا لعمل ترفيهي تربوي تعليمي يجمع ببين الثقافتين المصرية والسعودية٬ يلقي نظرة على أهمية العلم ومواجهة الإرهاب.
جد ولعب
ويضيف رضا: لمسنا مدى اهتمام الجهات التربوية بالمملكة بذوي الاحتياجات الخاصة٬ ولدينا مشروع خاص كمقترح للتعليم عن طريق العرائس٬ فالدمية أكثر قربا من الطفل وخاصة في مراحله العمرية الصغيرة ويمكن استثمار ذلك في عمل تربوي تعليمي بمسرحة المناهج التعليمية٬ ولقد سبق واخرجت العمل المسرحي “أنا وجدي” فكرتي واخراجي لذوي الاحتياجات الخاصة٬ وهو عمل يجمع بين ذوي القدرات الخاصة بغرض ادماجهم في المجتمع من جديد.
وكذلك مسرحية “جد ولعب” كانت البداية ورشة فنية أقمناها للمعاقين عضويا من الأطفال المكفوفين والصم والبكم. وقد أردنا في هذه الورشة أن نستغل النزوع الطبيعي لدى الأطفال على اختلاف ظروفهم، وأن نحرضهم على تحدى إعاقتهم وتنمية قدراتهم اليدوية والذهنية والاندماج في المجتمع، ومشاركة الأطفال الأسوياء كل أوجه النشاط. وذلك باستخدام الدمية والسيكو دراما كوسيلتين في تحقيق هذا الهدف٬ وبقدر ما كان الطريق صعبا بقدر ما كان ممتعا وكان من الطبيعي أن نتواصل مع إخوة الأطفال المعاقين الذين شاركوا معنا في كسر جدار العزلة الذي كان واضحا في البداية عند تعاملنا مع أخوتهم وأول درس تعلمته من هذه التجربة أن الاحتكاك المباشر بهؤلاء الأطفال هو الطريق الوحيد إلى فهمهم والتواصل معهم واكتشاف مواهبهم.
الحكم بعد التجربة
ويضيف: بعد شهرين من العمل المتواصل في هذه الورشة المسرحية اختفت الفروق وتحقق الاندماج الكامل واكتشفنا هذه الروح التي تمثلت في العرض الذي قدمه الأطفال على خشبة المسرح بعنوان “جد ولعب”.
وتكمن العقدة في ايجاد المزيج السحري بين المعاق والدمية والطفل العادي في عرض بطلته الدمية في سيكو دراما نتاجها النهائي دمج المعاق مع ذويه٬ وكان علينا عمل حوار مع الأطفال المعاقين وأخوتهم في جلسات متتابعة نكسب فيها مودتهم ونشجعهم على دخول التجربة والكشف عن مواهبهم دون خجل أو خوف ولم يكن هناك وسيط أفضل من الدميه في ذلك في تحاورهم ويحاوروها فهي خير صديق للكل من منهم لا يحب الدمية ومن منا لا ينظر لها بشغف وحب.
ثم انتقلنا من هذه الورشة التي كانت مقصورة على المعاقين عضويا إلى الورشة التي شارك فيها المعاقون عضويا مع المعاقين ذهنيا. وقد ضمت هذه الورشة حوالي خمسة عشر طفلا من المعاقين وأخوتهم وأصدقائهم بالإضافة إلى بعض الآباء والأمهات الذين شاركوا جميعا في التحضير وإعداد الديكورات والملابس وعمل الماكياج.
وقد اكتشفنا في النهاية أن الإعاقة ليست مانعا من الاندماج، وأن الفن لا يتعارض مع الأهداف الاجتماعية إذا أحسنا تقدير الأمور وعرفنا كيف نعدل أساليبنا ونستجيب للحاجات والظروف المتغيرة، وأن نضع الإنسان فوق كل اعتبار.