بقلم: السعد المنهالي
يعد «نادي قتال الحيوانات» أحد أشهر أفلام عالم «ناشيونال جيوغرافيك»، لكونه يقدم سلسلة مثيرة حول مفهوم وشكل الصراع بين الحيوانات وحيثياته ودوافعه المتعددة، سواء حول الغذاء أو مناطق النفوذ أو حتى على الإناث. وعادة ما يكون الصراع على الزعامة هو سيد الصراعات، إذ يحقق المنتصر فيه كل الميزات السابقة. والحقيقة أن الصراع في عالم الحيوانات هو أرقى وأنقى أنواع الصراعات التي تشهدها الأرض؛ فبرغم طبيعته الدموية في أغلب الأحيان، إلا أنه محاط باستحقاقات سابقة ولاحقة تجعله صراعاً «شريفاً»، فحسب علماء دراسة سلوكيات الحيوان ـ أو حسب ما توصلوا إليه ـ لا تظهر فيه المؤامرات السابقة ولا البطانة المتنفعة اللاحقة، ويبقى الزعيم فيها زعيماً بناء على أدائه في حماية قطيعه وقدرته على كسب الإناث أو تمكنه من حماية مناطق الغذاء، وعليه يستحق احترام وخضوع بقية القطيع له. فما أن تجد ذكراً قد ساد قطيعه إلا وعليك – عزيزي القارئ – أن تتأكد، أن ذلك التشريف ناله استحقاقاً لما تكفل به من مهام داخل قطيعه.
أما عند البشر، فللأمور حسابات أخرى، صحيح أنه من سنن الكون المعروفة، تراتبية الأشياء، إذ لا يمكن أن يأتي أمر ما، إلا إذا سُبق بما يدفع إليه ـ ومنها بالتأكيد ـ استحقاق التشريف. إذ لا يحظى أحد بشرف التكريم إلا إذا كان قد قدم ما يستحق أن يُكرم عليه، فلا يكرم غير المستحق وإلا عمت الفوضى. وللاستحقاق شروط كثيرة، على رأسها العمل والجد والصبر والإنتاج، ومنظومة كبيرة من العطاء والصدق، ومن ثم النجاح، ومن هنا يحدث التكريم والتتويج والإشادة التي تعد شرفاً لمن يجنيها في حياته، قد يورثه صاحبه لأبنائه في المستقبل.
لدى بعض البشر اعتقاد أن التشريف يأتي بمجرد التكليف، وللأسف يدفع الفارغون في ذلك التوصيف، فما أن يُكلف أحدهم بمنصب حتى يزحف حوله المطبّلون المنتفعون يخبرونه بأن عليه أن «يعيش الدور» وأن ينعم بشرف المكان، ويحصد أكبر مكسب ممكن، أما العمل أو الجهد أو العطاء فهو في ذيل قائمة الاهتمامات، وعلى صاحب المنصب «المبجل» أن لا يشغل باله بهذا الأمر كثيراً. وهذا الأمر وإنْ بدا في ظاهره معارضاً لسنن الكون التي تقر باستحقاق التشريف؛ إلا أنه في واقعه أبهة في غير محلها تشبه فقاعات من أسوأ أنواع الصابون، ما يسرّع من انفجارها. وما ينتهي بسرعة لا يبقى له أثر ولا شرف في حياة صاحبه ولا بعدها.