زيارة ولي العهد فتحت حواراً استراتيجيا في كل الملفات وفرصاً استثمارية هائلة
إقرأ
بقلم- فاطمة آل عمرو
ما زالت تداعيات ونتائج وأصداء زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع إلى أمريكا تتوالى ، اقتصاديون ومستثمرون وسياسيون وخبراء أكدوا أن الزيارة علامة فارقة في تاريخ علاقات البلدين ، ومآلات الأحداث في الإقليم ومنطقة الشرق الأوسط ، ليس لأنها فقط ؛ شكلت امتداداً وتعزيزاً للعلاقات الموصولة بين البلدين منذ قرابة “قرن” ،
أو لأنها بددت المخاوف وعمقت الثقة ومهدت للإنطلاق لآفاق أرحب في مختلف الاتجاهات، أو بالنظر للنجاحات التي حققتها في جميع ملفات كل المسارات ؛ سياسياً واقتصاديا وعسكرياً وتعليمياً وثقافياً وغيرها ، أو لكونها أظهرت الاتفاق على خطورة الممارسات الإيرانية الإرهابية ،
وضرورة تسوية أزمات الإقليم سواء في اليمن أو سوريا وغيرها من الدول، وأهمية الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة ، بل لأنها بالإضافة لكل هذا؛ كانت “شاملة وغيرت الصورة الذهنية وخلفت انطباعاً مبهراً وتحقق المصالح السعودية العظمى ؛ “شاملة” حيث أنها فتحت حواراً استراتيجيا في كل الملفات ، ولم تقتصر مباحثات ونقاشات ولقاءات سموه على المسؤولين الرسميين الأمريكان ، بل امتدت إلى النخب والفاعلين في قطاعات متنوعة ،
كما تركت الزيارة انطباعاً مبهراً عن المملكة والسعوديين ” وشخصه الكريم”، عند كل من التقاهم سموه ولدى المواطن الأمريكي العادي ، كما أن نتائج الزيارة خطوة كبيرة في طريق الوصول للمصالح الوطنية العليا الواردة في “الرؤية وبرنامج التحول” ، بحيث يمكن في “خلاصة للقول” التأكيد على أن قطار المشروع التجديدي الاصلاحي الذي يقوده سمو ولي العهد محمد بن سلمان
“اقرأ” تستعرض آراء الاقتصاديون والمستثمرون والسياسيون والخبراء في المساحة التالية.
بناء الثقة و تنويع الاقتصاد
بداية يقول رئيس الأبحاث المالية في “الراجحي كابيتال” مازن السديري إن “بناء الثقة” أهم ركيزة لجذب المستثمر، وهذا ما رسخه ولي العهد مع الأمريكان في زيارته الناجحة، خاصة أن المملكة تحتاج الى شراكات قوية مع أمريكا وغيرها من الدول لتغيير صورة الاستثمارات الأجنبية في السعودية.
ويوضح أن المملكة دولة ثرية ، لكنها تملك نموذجاً اقتصادياً يحمل مخاطره وصعوباته؛ هذه المخاطر ناتجة عن الاعتماد على النفط كمصدر أساسي للدخل، و نتج عن ذلك صعوبات اقتصادية؛ إذ اصبحت الدولة المشغل الرئيسي في الاقتصاد ، وبات الاستثمار في التقنية بالمملكة من أقل دول العالم بالنسبة للناتج المحلي، وبالتالي أرادت المملكة تغيير نموذجها الاقتصادي إلى دولة متنوعة اقتصاديا، لا تعتمد على النفط فقط.
ويضيف السديري أن الاصلاحات في المجال الاقتصادي بدأت منذ عام 2015، والزيارات التي كانت على مستوى خادم الحرمين إلى امريكا، وتطوير الأنظمة التجارية والقانونية والبنية التحتية في المملكة ، جميعها تحتاج إلى بناء ثقة مع المستثمر الأجنبي، واضطلاعه على حقيقة وتفاصيل الصورة ، وزيارة ولي العهد دفعة قوية في بناء الشراكة مع الجانب الأمريكي.
صورة ذهنية جديدة
يقول مستشار المركز العربي الأوروبي لحقوق الإنسان والقانون الدولي لدول الخليج العربي ، ورئيس المبادرة الوطنية للتنمية المستدامة طلال بن مشعان المفلح، أن زيارة ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان للولايات المتحدة ، رسمت لدى المسؤولين والمواطنين الأمريكان، صورة ذهنية جديدة وإيجابية عن المملكة والسعوديين ، تعكس الاصلاحات القوية التي ينفذها سموه في الداخل بالمسارات كافة ؛ سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، بدعم من الملك سلمان؛ ولهذا لم يجد ولي العهد أي عناء في إقناع الإدارة الأمريكية بسياسة المملكة كشريك مع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب والتطرف، وتطابقت الرؤى حول دور إيران الإرهابي والداعم للفوضى وعدم الاستقرار بالمنطقة ، كما اتفقا الطرفان على السعي للحل السلمي في اليمن وفقاً للقرارات الأممية،مما يرتب نهاية الانقلاب وتخلي مليشيا الحوثي عن سلاحها، وعودة النظام الشرعي المعترف به دولياً .
تهيئة المناخ الاستثماري
ويردف المفلح أن الزيارة كانت تبديداً للمخاوف وبناءً للثقة والإنطلاق في علاقات استراتيجية قوية، على كل الأصعدة ، خاصة مع إطلاق رؤية المملكة 2030، وما صاحبها من تنظيم لقواعد الاستثمار الأجنبي، ومن قرارات هيَّأت المناخ الاستثماري للأمريكيين في أسواق المملكة، وشجَّعت السعوديين على الاستثمار في الولايات المتحدة ، ويتوقع المفلح طفرة في الاستثمارات بين البلدين في المرحلة المقبلة.
طفرة بالتنمية و التعليم
ويلفت المفلح إلى أن سمو ولي العهد التقى في نيويورك مع رؤساء الجامعات وقيادات كبرى الكليات والمعاهد؛ لبحث مجالات التعاون بين المؤسسات التعليمية بالمملكة وأمريكا في الجانبين العلمي والبحثي، وتعميق الشراكة عبر مبادرات عدة وفق رؤية المملكة 2030، وينوه المفلح إلى اهتمام ولي العهد كما هو معروف بالجانب التعليمي، ونظرته إليه بوصفه بوابة العبور والانتقال الجديد للمملكة إلى الآفاق التي لا تعتمد فيها على النفط فقط دون بدائل أخرى؛ ولهذا جاءت إعادة صياغة الكثير من الأنظمة؛ لتتماشى مع التجديد الذي تشهده المملكة.
امتداد للشراكة
ويشير الكاتب والمحلل الاقتصادي جمال بنون إلى أن زيارة ولي العهد امتداد للشراكة القائمة بين البلدين لأكثر من 70 عاما، كان النفط عماد العلاقات الاقتصادية في السابق، واليوم تمتد الشراكة و تتنوع مجالات التعاون الاقتصادي بين البلدين ، لتطال الصناعات المتقدمة والتقنية والترفيهية والتعليمية والصحية وغيرها.
أرقام لها دلالات
وينوه إلى أن حجم الاستثمار الحالي بين البلدين يصل لأكثر من 577 مليار ريال، ما يعادل قيمة الصادرات السعودية إلى امريكا في 4 سنوات، متوقعاً استثمارات أمريكية تتجاوز الـ 200 مليار دولار داخل المملكة خلال السنوات القليلة المقبلة، في ظل زخم زيارة ولي العهد لأمريكا وزيارة الرئيس الامريكي إلى السعودية، التي وقع خلالها العديد من الصفقات، شملت اتفاقيات نوايا دفاعية بـ 110مليار دولار، وأخرى بقيمة 280 مليار دولار، في إطار 130 اتفاقية تمت خلال زيارة ترامب للسعودية، كل هذه الأرقام الكبيرة لها دلالات وتبشر بمستقبل مشرق للمملكة، يدعم تحقيق رؤية السعودية 2030.
ميزات تنافسية للاقتصاد السعودي
ويؤكد بنون على أن الاقتصاد السعودي يمتلك ميزات تنافسية كبيرة جدا؛ من حيث الحجم والبنية التحتية وموقع المملكة وغيرها، ومتاح الآن دخول الشركات الأمريكية مباشرة للسوق السعودي ، دون الحاجة لشركاء بالداخل ، وبالفعل دخلت 14 شركة أخيراً ، سواء في مجال الترفيه أو السينما وغيرها، مما يساهم في خلق وظائف جديدة للشباب السعودي وبناء شراكات اقتصادية ، كما أن السعودية تتجه لزيادة صادراتها للسوق الأمريكي في قطاعات عديدة ، بخلاف النفط والبتروكيماوبات.
الشمولية والانطباع المبهر
ووفقاً للباحث السياسي ومدير مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية سابقا عبد الحميد عبد الحكيم، أهم ما يميز زيارة ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان إلى أمريكا ” شموليتها” ؛ بحيث أنها فتحت حواراً استراتيجيا في كل الملفات السياسية والاقتصادية والعسكرية والتعليمية وغيرها ، كما أن مباحثات ونقاشات سموه لم تقتصر على المسؤولين السياسيين ، أنما امتدت إلى النخب الأمريكية والفاعلين في قطاعات متنوعة ، وترك سموه انطباعاً مبهراً عند كل من التقاهم ، بما يفتح المجال لمرحلة من تنامي التعاون وتعزيز العلاقات بين البلدين في الفترة المقبلة ، خاصة ورؤية 2030 السعودية ، تتضمن مشروعات عملاقة لتحقيق التنمية المستدامة وتنويع مصادر الدخل الوطني ، والارتقاء بالخدمات لأعلى المستويات العالمية ، والجانب الأمريكي مازال يحتل الصدارة عالمياً بمجالات عديدة أهمها التكنولوجيا والتقنية والبحث العلمي .
تعزيز الاستقرار بالمنطقة
ويقول الدكتور عصام مصطفى خليفة الخبير الاقتصادي وعضو جمعية الاقتصاد السعودية ، إن زيارة ولي العهد إلى أمريكا في أولى جولاته الرسمية الخارجية عكست أهمية الشراكة السعودية الأمريكية في تعزيز الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي بمنطقة الشرق الأوسط ، باعتبار المملكة صاحبة دور محوري على الصعيد الإقليمي والعربي والإسلامي ، وأقوى حليف سياسي وشريك اقتصادي للولايات المتحدة بالمنطقة.
التقدم بمجال تيسير الأعمال
ويواصل أن المملكة لعبت سابقاً دوراً أساسيا في توازن الاقتصاد العالمي؛ بتحقيق قدراً كبيراً من الاستقرار في أسواق النفط ، وحالياً الاقتصاد السعودي كأكبر اقتصاد في الشرق الأوسط ، مدفوعاً ومدعوماً برؤية 2030، وفي ظل اصلاح وتطوير البيئة التنظيمية والقانونية للاستثمار، يمتلك فرصاً واعدة ليصبح المحرك الأساسي لعجلة النمو الاقتصادي في المنطقة، ولعل تبوأ المملكة المركز (12) من بين 183 دولة في العالم ، وفقاً لتقرير البنك الدولي عام 2015، الخاص بترتيب الدول في مجال تيسير إجراءات الأعمال، دليل على جدية العمل لتحقيق المستهدفات الوطنية.
التبادل التجاري بين البلدين
ويرى خليفة أن المملكة والولايات المتحدة يرتبطاً بعلاقات اقتصادية وتجارية قوية تدعمها مصالح مشتركة، جعلت أمريكا أحد الشركاء الرئيسيين للمملكة على مدى أكثر من 8 عقود ، منذ بدء العلاقات الثنائية التي تطورت وتصاعدت خلال السنوات الأخيرة، على جميع الأصعدة خاصة في مجالي الاستثمار والتبادل التجاري؛ حيث أن أمريكا أكبر الشركاء التجاريين للمملكة ، فقد احتلت المرتبة الثانية بالنسبة للصادرات السعودية ، والأولى من حيث الواردات، كما أن المملكة أكبر شريك تجاري لأمريكا في الشرق الأوسط ، وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 287 مليار ريال في عام 2015 ، وحقق الميزان التجاري فائضاً لصالح السعودية طوال الـ 10أعوام الأخيرة .
نقل و توطين التقنية
ويستكمل أن المملكة تزخر بفرص استثمارية هائلة في قطاعات واعدة ، والظروف مواتية أمام الشركات الأمريكية للتوسع وزيادة حجم استثماراتها الخارجية ، في ظل ما يتمتع به المناخ الاستثماري في المملكة من مزايا تنافسية متعددة، ودعم ومساندة الدولة للقطاع الخاص بشقيه المحلي والأجنبي ، وخططها التنموية الرامية إلى فتح آفاق أوسع وأرحب أمام الشركات الاستثمارية ، لتسهم في نقل التقنية وتوطينها بالمملكة وتنويع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد السعودي.
الاستثمار المشترك
ويشدد خليفة على أن الأرقام تؤكد تجاوب الشركات الأمريكية مع المساعي السعودية؛ حيث أشارت الإحصائيات مؤخراً إلى دخول 150 شركة أمريكيَّة للسوق السعودي لأول مرة في عام 2015 فقط، كما أن أمريكا اكبر مستثمر أجنبي في المملكة ، وتتواجد أكثر من 350 شركة أمريكية تستثمر في المملكة ، ووصل عدد المشروعات الأمريكية السعودية المشتركة إلى 609مشروعاً، بقيمة استثمارية بلغت أكثر من 62مليار دولار أمريكي .
حوافز لرجال الأعمال
ويشيد بالحوافز التي قدمتها المملكة للمستثمرين السعوديين والأجانب ، وبإجراءات تعزيز الأهداف الإنمائية والاستثمارية ، ومنها اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي، وقرار استحداث تأشيرة لرجال الأعمال الأجانب لعدة سفريات على مدار عام كامل ، مما مثل إزالة عقبة اشتكى منها القطاع الخاص السعودي والغرف التجارية ، وشكل خطوة كبيرة في إطار خطة المملكة للوصول إلى مصاف أفضل 10 دول في مجال جذب الاستثمارات بالعالم .
بيئة تنافسية عادلة وحرة
ويختتم الخبير الاقتصادي وعضو جمعية الاقتصاد السعودية بأن الاتفاقيات السعودية الأمريكية ودخول الشركات الأجنبية للسوق السعودية ، سيساهم في إنجاز الرؤية المستقبلية للمملكة ، ومن ضمنها توليد 750 ألف وظيفة جديدة ، وتخفيض معدل البطالة من 11.6% إلى 7% وأقل، والارتقاء بمستوى المنتجات والخدمات، وإعادة هيكلة الأسواق السعودية في ظل بيئة تنافسية عادلة وحرة ، تتلافى سيطرة عدد من المنتجين أو الوكلاء، بسبب” اقتصاديات الحجم” ومنع الآخرين من المنافسة المتكافئة .