مجلة اقرا

حصاد الوهم!

بقلم: السعد المنهالي

«في طريق بعضهم لجني الحصاد.. ينسون زرع البذور»..

هل بالفعل يُمكن ذلك؟!

للأسف يحدث هذا كل يوم، وما دورات التنمية الذاتية وكتب التطوير الشخصي التي تتربع على قوائم الكتب الأكثر مبيعاً على مستوى العالم – وما تدفع فيه قراءها ومريديها إلى استخدام تقنيات سريعة للفت الانتباه ولإحداث التأثير في الغير وإقناعهم – إلا محرضات لهذا النوع من الحصاد، الذي يأتي من الفراغ، فلا بذور سبقته ولا ماء رواه! كيف ذلك؟ الإجابة بكل سهولة تكمن في التأثير المباشر قصير المدى الذي يحدثه هؤلاء الناس ممن يمتلكون التقنيات المطلوبة، وهو ما يتم حصاده. أما البذور فعلى ما يبدو أنها لم تزرع أساساً، وهو ما يؤكد أن تلك السلوكيات غير حقيقية.

تعد مهارات الاتصال الركيزة الأساسية لذلك النوع من الدورات والكتب، وهي في مجملها برمجات تعزز من قدرات الإنسان التواصلية مع الآخرين فقط، كالابتسامة الجاهزة وإظهار التقدير المفتعل والمشاركة المبالغ فيها في اهتمامات الآخرين أو هواياتهم، أو السلوكيات المتعمدة بالرقي، أو اللغة المبالغ في انتقاء مفرداتها، وكلها تقنيات يقدمها ذاك النوع من الكتب ودورات السلوك وتطوير الشخصية. هذا تماماً ما تركز عليه فعاليات هذا النوع، بجانب ما تقدمه من قصص النجاح المحفّزة ليقلدها المشاركون – بسبب المكاسب التي جناها أصحابها سواء على الصعيد الشخصي أو المهني – ما يجعل مرددي هذا النوع أشبه بمن تم برمجة عقله لينتج سلوكاً إيجابياً من المفترض أنه يقوده للنجاح.

غير الحقيقة أن ذلك ينتج فقط سلوكيات لا تشبه حقيقة أصحابها. وللتوضيح، فما يتم التركيز عليه بالأساس له علاقة مباشرة بتعزيز قدرات الإنسان التواصلية وشكله أمام الآخر، غير أن قيم الإنسان ومنظومته الأخلاقية – التي قد تكون فاسدة – لا يصيبها تغيير، بل لعلها تصبح أكثر ترسخاً، فطالما أن سلوكياته الظاهرة تتكلل بتحقيق مصالحه، فما الذي سيدفعه لتقييم أخلاقه؟! وللمثال لا الحصر، تعلم وافتعال لغة الجسد التي تظهر انفتاحاً فيما صاحبها شخص عنصري أو أناني، أو استخدام تقنية تقدير النساء في السلوك العام ليبدو صاحبها أكثر تحضراً، فيما الحقيقة أنه مقتنع بأن المرأة مخلوق أدنى منه، وهكذا.. قس على ذلك كل أشكال السلوك الشخصي غير المرتبطة بقيمة راسخة في وجدان صاحبها. لتمتلك طبعاً ذا بريق مميز وإلهاماً في الآخرين، عليك أن تمتلك أخلاقاً صادقة.