مجلة اقرا

رحباني الأغنية السعودية بدراً في سماءها

بقلم: أميمة الفردان

المقدمة.

الحديث عن رحباني الأغنية السعودية وحصانها الرابح في سباق الأغنية العربية؛ هو بمثابة حديث من القلب للقلب؛ سهلاً وعذباً يتماهى مع سلاسة كلمات البدر، التي تصف دهاليز القلوب المنكسرة وتداوي جروحها عبر قصائده التي تجاوزت الألف، وتغنى بها عدد كبير من المطربين السعوديين والعرب؛ ولازالت عالقة في ذاكرة الكثيرين ويرددها السواد الأعظم من عشّاق الكلمة السعودية فما بالك عندما تكون كلمات البدر!

من هو بدر بن عبد المحسن الذي لا يعرفه أحد؟

ربما لا يوجد الكثير الذي يمكن أن يقال عن البدر؛ إلا أن القصة ذاتها وان تكررت، حال باقي البشر، تظل العلامة الفارقة في حياة البدر هي كلماته وقصائده التي ساهمت في ايصال كثير من عملاقة الطرب السعودي إلى خارج حدود الجزيرة العربية مثل طلال مداح ومحمد عبده وعبد المجيد عبد الله وغيرهم كثير؛ لتصل ويعاد غناؤها بأصوات عربية لها حضورها ووزنها، ناهيك عن أسماء كبيرة من أمثال كاظم الساهر.

عندما يكون الحديث عن شاعر بحجم البدر لابد أن تكون البيئة التي خرج منها تحتفي بالأدب والعلم؛ وهوما كان عليه والده الأمير عبد المحسن بن عبد العزيز آل سعود؛ حيث كان لديه مكتبة ضخمة تضم العديد من الكتب، كما كان له مجلساً ضم كثير من العلماء والأدباء والمفكرين؛ الأمر الذي ترك أثراً واضحاً على شخصية البدر وحبه للشعر.

وكما هي العادة التي دأب عليها الكبار في تأديب أبناءهم وتربيتهم وتعليمهم؛ كان للبدر نصيبه من التعليم الذي أنهى مرحلة التعليم الإبتدائية بين مصر والسعودية؛ فيما كانت متوسطة الملكة فيكتوريا بالإسكندرية مرحلة هامة في حياة البدر الدراسية كونها رسمت كثير من بدايات الإنفتاح المعرفي والثقافي والفكري للأمير الشاعر؛ قبل أن يعود مجدداً لعشقه الأول الرياض التي أكمل فيها مرحلة الدراسة الثانوية، ليحلق بعدها بين بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية لإكمال تعليمه الجامعي، وعلى الرغم من ذلك لم يعتلي البدر مناصب رسمية على المستوى السياسي أو الإداري، مكتفياً بمنصبه ملكاً على عرش القلوب؛ وظل صاحب أول منصب يترأس جمعية الثقافة والفنون في العام 1973م.

نجوم وأفلاك في سماء البدر.

الأغنية السعودية التي ضمت في فلكها أسماء كثيرة على مستوى اللحن والصوت والكلمة التي يعد البدر أحد نجومها؛ خصوصاً إذا ما تحدثنا عن الكلمة السعودية؛ التي صاهرت بين غنج المفردة الحجازية، وحكمة الشعر النبطي النجدية؛ لتشكل قصيدة سعودية طارت إلى أصقاع الدنيا؛ عبر فرسانها الذي يعد البدر أبرزهم.

إلا أن ذلك لم يأتي من فراغ بل ساهم إلى حد كبير وجوده بين كبار كتّاب الكلمة السعودية من أمثال محمد العبد الله الفيصل وخالد الفيصل وخالد بن يزيد ومحمد السديري، ناهيك عن الوسط الفني الذي ضم عملاقة اللحن والغناء من أمثال الراحل سراج عمر ومحمد شفيق وسامي إحسان وعبد الرب ادريس وغيرهم كثير،ما جعل من صاغة اللحن يتهافتون على إذابة المفردة البدرية نغماً يعبر حناجر رواد الطرب السعودي ذلك الوقت خصوصاً طلال مداح الذي تغنى بقصائد كثيرة منها “عطني المحبة، صعب السؤال، قصت ظفايرها، سيدي قم، زل الطرب”.

ولم يقف الأمر عند صوت الأرض طلال مداح، بل كان للمفردة البدرية أثراً كبيراً في خلق سباق من نوع آخر لفنان العرب محمد عبده مع الكبير طلال مداح؛ للحصول على قصائده والتغني بها؛ ولم يسلم الأمر في بعض القصائد التي تغنى بها الإثنان بلحنين مختلفين؛ إلا أن ذلك وان بدا صراعاً؛ إلا أنه أكسب عشّاق البدر فرصة سماع القصيدة بصوت البدر تارة؛ وفي روايات أخرى بصوت عملاقي الطرب السعودي، إلا ان حصة فنان العرب من قصائد البدر أيضاً لا يمكن الإستهانة بها ويبدو ذلك واضحاً في القصائد التي غناها من أمثال “أنا حبيبي، رسالة إلى من يهمها أمري وأرفض المسافة”؛ فيما جاء نصيب اخطبوط العود عبادي الجوهر كم من القصائد التي لا زالت حاضرة في ذاكرة الفن السعودي وقائمة في شباك تذاكر الأغاني المطلوبة في حفلات الجوهر؛ منها رائعته “المزهرية، كفاك غرور، ما أبيه”.

وظل عطاء البدر نبعاً من الكلمات لا ينضب للحناجر السعودية، التي تغنت بمفردات من نور ؛ وساهمت في وصولهم لقمة الفن السعودي اليوم من أمثال عبد المجيد عبد الله الذي صدح للبدر بأغنيات “موت وميلاد، تخيل”؛ وكلاً من خالد عبد الرحمن وعبد الله الرويشد وراشد الماجد ونوال الكويتية وأصالة نصري والقيصر كاظم الساهر. ولأن البدر قامة عالية أبى إلا أن يضيء سماء أرض عشقها فجاء كلماته؛ لها بحجم السماء؛ وقبس شهاب لا ينطفيء بمرور الأزمنة والدهور؛ وهو ما حمله على كتابة أغنية “عز الوطن”؛ التي تغنى بها طلال مداح في مهرجان الجنادرية الخامس؛ فيما صدح فنان العرب برائعته “فوق هام السحب” التي لازالت تتردد مع كل مناسبة تحتفي بالوطن.

كلمة أخيرة.

في “زمان الصمت”؛ التي كتبها البدر يطل عشّاقه ليهمسوا في أذنيه “لليل أحبك ما بقى في السما نور”.