هل ساعد المجتمع ذوي الاحتياجات الخاصة لتخطي الإعاقة
إقرأ
5 مليون معاق في المملكة يتطلعون لـ “الدمج”
تحقيق – آمال رتيب
المملكة في مقدمة الدول التي تعنى بذوي الاحتياجات الخاصة سواء على المستوى الحكومي أو الجمعيات الأهلية والمراكز المختصة بتقديم الخدمات والرعاية٬ لحوالي 1.5 مليون معاق في كل مناطق المملكة٬ رغم ذلك الطموح متواصل للرقي بالخدمات ونوعيتها٬ وكذلك تخطي كثير من الأفكار التي ما زالت ترسخ في أذهان البعض عن الإعاقة٬ نتناول موضوع ذوي الاحتياجات الخاصة في التحقيق التالي من زاوية مغايرة؛
هل تجاوز ذوي الاحتياجات الخاصة معاناتهم من حيث نظرتهم الخاصة إلى الذات ؟، هل تطور المجتمع في التعامل معهم بشكل إيجابي يساعدهم على تخطي الإعاقة ؟ ، لماذا نتناول الملف من هذه الزاوية؛ لأن الدراسات أجمعت على أن نظرة ذوي الاحتياجات الخاصة إلى أنفسهم، وكيفية تعاطي المجتمع معهم ، واندماجهم في المجتمع؛ 3عناصر حاسمة ومترابطة في تجاوز هذه الفئة لكل الصعوبات ، والانطلاق في الحياة بنشاط وحماس ومعنويات مرتفعة مثل أفضل الأصحاء ، إليكم آراء نخبة من المختصين حول القضية.
المهم ..النظرة للذات
المستشار التربوي الدكتور محمد عاشور يقول إن أهم ما يجب التركيز عليه هو ؛ نظرة الفرد من ذوي الاحتياجات الخاصة إلى نفسه وعن ذاته٬ ويذكر تجربة علمية أجريت لمجموعتين؛ الأولى أشخاص أصحاء ليس لديهم أي مشكلة صحية تذكر، والثانية أشخاص ذوي اعاقة سفلية تتمثل في عدم قدرتهم على السير فقط لا غير٬ بمعنى انه ليس لديهم أي مشاكل في الفهم والادراك؛ ولديهم إمكانات ذهنية وعضلية وبصرية ممتازة، المجموعتان من الافراد متوسطي الذكاء، وطلب من المجموعتين أداء أعمال يدوية لا تتطلب استخدام الأقدام، وجدوا أن الجولة الأولى انتهت بفوز مجموعة الأصحاء، ثم أجرى الفريق الباحث مقياس للتأكد من صورة الإنسان عن نفسه ؛ فوجدوا أن أصحاب الإعاقة السفلية لديهم صورة متدنية عن الذات؛ هناك فيروس في العقل (معتقد سلبي خاطئ) يتمثل في أنهم غير قادرين على التفوق على الأفراد الأصحاء.
التخلص من “الفيروس”
ويضيف أنه بعدما اخضع الفريق الباحث المجموعة الثانية للتدريب بغرض تصحيح الصورة عن الذات والتخلص من هذا “الفيروس، المدمر للعمل والإنجاز، وأعيدت التجربة مرة أخرى للمجموعتين، بأعمال يدوية جديدة غير تلك التي اجريت في المرة السابقة ، كانت النتيجة تفوق فريق أصحاب الإعاقة السفلية.
الفيصل الرئيس والأهم
ويخلص عاشور إلى نتيجة إن صورة الإنسان عن ذاته هي الفيصل الرئيس والأهم في العمل والانجاز والمبادرة والتقدم في الحياة ، وهناك العديد من النماذج التي لا مجال لحصرها، التي أثبتت ذاتها وتخطت إعاقتها وقدمت لمجتمعها الكثير وفادت واستفادت٬ وباختصار: إذا تجاوز ذوي الإحتياجات الخاصة أزمة الصورة المتدنية عن الذات ، تصبح باقي الملفات والصعوبات أبسط وأسهل بكثير من الملف الداخلي ؛ (صورة الإنسان عن نفسه).
الدور المجتمعي وأصحاب الهمم
ويشدد على أهمية الدور المجتمعي في دعم ذوي الإحتياجات الخاصة٬ مشيراً إلى أن نظرة المجتمع في الآونة الاخيرة لهذه الفئة من المجتمع تحسنت كثيرا عن ذي قبل٬ حتى أن العديد من الجهات طالبت بتغيير المسمى لهم من ذوي الإعاقة إلى ذوي الإحتياجات الخاصة ، ومؤخراً دولة الامارات العربية في مبادرة جميلة منها أطلقت عليهم تسمية أصحاب الهمم .
لكن “عاشور” يستدرك أنه في المنطقة العربية لا يزال الدور المجتمعي دون المتوسط٬ ونحتاج إلى الكثير من التطوير والعمل الجاد للوصول للمستوى المطلوب٬ صحيح أن هناك تباين وتفاوت بين الدول العربية من بلد إلى آخر في الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة، لكن بشكل العموم نحتاج إلى المزيد والمزيد من العمل والتطوير للوصول بهده الفئة من المجتمع إلى تحقيق ذاتها واستقلاليتها وتمكينها في الحياة .
الدمج أساس المسؤولية المجتمعية
ويؤكد عاشور أن أكثر مهمة ملقاة على الجهات الرسمية والمجتمع ومنظماته غير الربحية هي دمج ذوي الاحتياج الخاص بأفراد مجتمعه على حد سواء؛ مطلوب منهم العمل على ايجاد برامج منظمة ومستمرة ومتتالية ومدروسة من النواحي النفسية والعلمية والعملية لدمج هذه الفئة من المجتمع اجتماعياً.
نموذج عملي
ويدلل على ذلك بنشاط افطار صائم في شهر رمضان المبارك ؛ أحد الأنشطة التقليدية المهمة التي تنظم من قبل بعض المنظمات بشكل متكرر، مفترض من الجهة المنظمة للنشاط إلا تقتصر على شريحة واحدة فقط كأصحاب الإعاقة السفلية على سبيل المثال ؛ بل ينبغي أن تشترط إن كان عدد الحضور المتوقع (١٠٠٠) فرد أن يكون (١٠٠) أو (٢٠٠) فرد من ذوي الاحتياجات الخاصة – على سبيل المثال- أصحاب إعاقة سفلية ؛ مع مراعاة أن يكون لهم ترتيبات خاصة وتسهيلات وخدمات وأنشطة خاصة بهم وتتيح لهم في الوقت نفسه الاندماج والتفاعل مع باقي الحضور حيث أن أكبر تحدٍ يواجه ذوي الاحتياجات الخاصة هو الدمج الاجتماعي مع أفراد المجتمع.
الملف مسؤولية عدة أطراف
وينوه عاشور إلى أن الخطوات التي يمكن تساهم في تقديم خدمات أفضل لذوي الاحتياجات الخاصة ٬ مسؤولية عدة أطراف لابد أن تتعاون وتتكاثف جهودها لنأخذ بيد هذه الفئة نحو التقدم والنجاح ، وتتجاوز معهم كل الصعاب ؛ وأهم هذه الاطراف على سبيل المثال لا الحصر:
– الفرد نفسة ذوي الاحتياج الخاص: وقد ذكرنا سابقاً اهمية صورته عن ذاته و إرادته ومبادرته لتخطي الصعاب.
– الأسرة: ويقع على عاتقها مسؤولية كبيرة ؛ أولها في الأخذ بيده لتقبل ذاته واعاقته وتخطي الأثار النفسية للإعاقة، وفي تصحيح صورته عن ذاته ، وفي احترامها “الأسرة” لكيانه ودمجة مع افراد مجتمعة؛ حيث أن بعض الأسر للأسف تعاملت مع هذا الجانب بجهل كبير كـ”إخفائه” عن المجتمع ،وعدم للسماح له بالخروج معهم او التواصل مع الآخرين ؛ ربما خوفاً عليه او حرجاً مما تجده في هذا التواصل ، أو غيرها من الأسباب التي لا تبرر ذلك التصرف .
– المنظمات غير الربحية: عمل أنشطة وبرامج وورش عمل لشرائح مختلفة من المجتمع سواء ؛ للأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة كتدريبهم ودمجهم أو لأسرهم لتثقيفهم وتوعيتهم أو للمجتمع عموما؛ بغرض تسهيل تقديم الخدمات لهم في المجالات المختلفة أو بغرض دمجهم في المجتمع أو غيره من النواحي المطلوبة في دعم تمكينهم من أداء دورهم في عمارة الأرض .
– البلدية: عليها دور مهم على سبيل المثال؛ في تقديم مرافق خاصة تراعي الفئات المختلفة من ذوي الاحتياجات الخاصة في الأماكن العامة باختلاف أشكالها؛ كالأماكن الترفيهية والمساجد والأسواق وغيرها، ويثمن “عاشور” مثال جيد متمثل في ممشى بمدينة جدة خصص فيه مسار خاص للأشخاص غير المبصرين، دون حاجة للامساك بشخص أو عصا أو نحوه.
– التجار وأصحاب رؤوس الأموال: أولا في اتاحة الفرصة لهم للعمل وكذلك تدريبهم عليه، ووجود فترة تأهيل وتدريب مناسبة، وتوفير بيئة عمل مناسبة لهم سواء من مواقف سيارات أو توفير أدوات وغيره
– قطاع التعليم والجامعات: إقامة الملتقيات التعريفية والمؤتمرات العلمية وورش العمل التي تهتم بهذا الجانب، والخروج بتوصيات علمية وعملية لتسهيل تقديم كافة الخدمات لهم على الأصعدة والمجالات المختلفة.
– الحكومة: وضع القوانين والتشريعات لضمان حقوقهم وتوفير جميع الخدمات وتأمين المعيشة الكريمة لهم، وتوفير الرعاية الصحية والتعليم والتأهيل والتدريب، وفرص العمل؛ هذا على سبيل المثال لا الحصر.
– الإعلام : لوسائل الإعلام الحديث والتقليدي أثر كبير؛ سواء في التوعية والتثقيف أو التحفيز والتشجيع و غيره.
– المنتجات والسلع : يجب أن يكون لذوي الاحتياج الخاص نصيب منها على سبيل المثال ؛ هواتف ومركبات خاصة … الخ.
نحن بالفعل بحاجة
ويختتم المستشار التربوي الدكتور محمد عاشور بأننا بالفعل بحاجة لكل فرد في المجتمع ، وبحاجة لهذه الفئة تحديداً وجعلهم فئة منتجة، وأشخاص فاعلين قادرين على الاعتماد على أنفسهم والخوض في معترك الحياة و تحقيق الاستقلالية للوصول إلى مستوى حياة أفضل والاسهام في عملية التنمية الاجتماعية الشاملة و إعمار الأرض.
تطور التربية الخاصة
من جانبه يشير الدكتور أحمد نبوي عيسى أستاذ التربية الخاصة المشارك بكلية التربية في جدة قسم التربية الخاصة٬ إلى أهمية دمج الفئات الخاصة بالمجتمع٬ ويشير إلى أن رعاية ذوي الإعاقة تطورت بتطور الخدمات في المملكة٬ وتماشيا مع التطورات العلمية والتشريعية العالمية في هذا المجال، وقد انفقت المملكة على التعليم مبالغ طائلة٬ ورسميا بدأ تعليم ذوي الإحتياجات الخاصة في نهاية الخمسينات من القرن الماضي حيث فتحت فصول ملحقة مسائية في كلية اللغة العربية في الرياض عام 1957،
وقد تطورت التربية الخاصة في المملكة من الناحية الكمية بزيادة عدد الطلاب والبرامج والفئات التي تشملها مظلة التربية الخاصة، ومن الناحية النوعية بتطوير طرق تقديم الخدمة لذوي الإحتياجات الخاصة والانتقال من العزل إلى الدمج وتقديم البدائل التربوية المختلفة ؛ فالتطور في برامج التربية الخاصة تميز بأن زاد عدد برامج التربية الخاصة المستحدثة على حساب المعاهد، وانتشار برامج التربية الخاصة في كافة مناطق المملكة ، بعدما كانت تتركز في المدن الرئيسية، وتوسعت الخدمات من حيث الفئات التي تقدم لهم ،
وبالإضافة إلى الخدمات المقدمة لذوي الإعاقة البصرية والسمعية والفكرية ، تم تقديم الخدمات إلى فئات أخرى٬ مثل الأطفال الموهوبين والأطفال ضعاف السمع وضعاف البصر والطلاب ذوي صعوبات التعلم٬ والمصابين بالتوحد٬ وذوي الإعاقات المتعددة٬ وتعددت أنماط تقديم خدمات التربية الخاصة في المملكة، لتشمل خدمات المعاهد الداخلية والمعاهد النهارية، والفصول الخاصة الملحقة بالمدارس العادية،
وبرامج ؛غرف المصادر، والمعلم المتجول، والمعلم المستشار، والمتابعة في التربية الخاصة ؛ مما أدى إلى تلبية احتياجات الأطفال على اختلاف فئاتهم٬ وتم فتح أبواب الدراسة على مستوى البكالوريوس للأشخاص الذين تسمح لهم قدراتهم بذلك، وقد وضعت خطة استراتيجية للتربية الخاصة في المملكة تتوافق مع سياسة التعليم التي نصت على أن تعليم المتفوقين والمعوقين جزء لا يتجزأ من النظام التعليمي.
ويستدرك عيسى بأنه رغم ذلك مازالت برامج دمج الطلاب ذوي الإحتياجات الخاصة بحاجة إلى المزيد من الدراسة والتقييم، كما يجب إعادة النظر في تصميم المناهج لذوي الاعاقة من حيث الأهداف والمحتوى والأنشطة لتلائم اختلاف القدرات والإحتياجات بين الطلاب.
“تفاوت”مراكز التأهيل
من الواقع تتحدث نورا زاهر الاختصاصية النفسية بأحد مراكز رعاية ذوي الإحتياجات الخاصة بجدة٬ تقول إنه في خلال الـ 10 سنوات الماضية حدث تطور واضح في عدد المراكز التأهيلية حيث تضاعف تقريبا، أما من ناحية الخدمات المقدمة أو ” الجودة” فهناك تفاوت؛ هناك بعض المراكز تفتقر إلى الخبرة في البرامج التعليمية والتأهيلية والكادر الوظيفي المدرب، في المقابل هناك عدة مراكز تحاول جاهدة تطوير برامجها التعليمية والتأهيلية،
ومن الملاحظ أيضا أن الجهات المختصة أصبحت تفرض معايير صارمة على الكادر الوظيفي وتخصصاته المختلفة؛ حيث كانت المراكز سابقا تعتمد على خريجات التخصصات المختلفة ، وتدريبهم الذاتي على التعامل من الفئات المختلفة من ذوي الاحتياجات الخاصة، أما الآن أصبحت الأولوية للتخصصات التي تتعامل مباشرة مع هذه الفئات كـ “خريجي التربية الخاصة “أو علم النفس أو العلاج الطبيعي والوظيفي أو علاج التخاطب، وهناك الفئة الثالثة من المراكز التي تضاهي في كفاءتها مراكز أوروبا وأمريكا، وقد يكون مركز العون من المراكز التي تعتبر مثال يحتذى به انطلاقا من المبنى المجهز ‘لى البرامج التعليمية والعلاجية والكادر الوظيفي المؤهل وأخيرا التأهيل الوظيفي والنشاطات الرياضي.
الطريق للخدمة النموذجية
وبحسب زاهر :خلاصة القول إننا لم نصل بعد إلى الخدمة النموذجية التي يطمح لها المتخصصون في المجال، وأعتقد أن مراكز الرعاية النهارية والمراكز التأهيلية كان لها دور لا بأس بها في تثقيف المجتمع، لكن الدور الأهم كان لأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة أنفسهم٬ أصبح تزايد أعدادهم في المجتمع يتحدث عن نفسه ، وفرض على المجتمع البحث عن المعلومات والثقافة المساندة لكيفية التعامل وخدمة هذه الفئة.
وتختتم الاختصاصية النفسية بأن طموحها أن يتم تطوير برامج الدمج بالمفهوم الحقيقي للدمج، وأن يجد أبناؤنا من ذوي الإحتياجات الخاصة المكان المناسب في المدارس والجامعات والوظائف المختلفة، أن يتم تطوير الوسائل التعليمية المساندة وغرف المصادر ” بمعناها الصحيح ” ، وكذلك تطوير البرامج والمراكز الرياضية المجهزة لاستقبالهم٬ وأخيراً تثقيف المجتمع أكثر وتدريب أفراده على تقبل قضايا ذوي الاحتياجات الخاصة كـ” الدمج والزواج والتوظيف”.