تقرير- آمال رتيب
نجران إحدى أغنى مناطق المملكة العامرة بالآثار القيمة التي تتعمق في قلب التاريخ القديم؛ فقرية الأخدود التي تقع على مساحة 5 كيلومترات جنوب غرب المنطقة ، تحكي قصة أناس عاشوا قبل أكثر من ألفي عام ورد ذكرهم في القرآن الكريم بسورة البروج، ويؤكد تاريخ المدينة العريق احتضانها الكثير من الآثار الشاهدة على أحداث الزمن القديم،
حيث تحكي جزءاً من تاريخ «ذو نواس»، آخر ملوك “التبابعة” ، وتضم آثاراً ومواقع مهمة تعود للفترات البيزنطية والأموية والعباسية، ونقوش هيروغليفية ومصرية قديمة، وأخرى يرجع تاريخها للعصور الإسلامية الأولى، وتم اكتشاف أكبر»رحى» في العالم بالمنطقة، التي يعمل بها حاليا 30 بعثة أثرية، تحت إشراف الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني لاستكشاف كنوزها ، كما أن العمل متواصل لاستكمال بناء وتجهيز متحف نجران الإقليمي أكبر متاحف المملكة.
رحلة الـ 8 ساعات
8 ساعات متواصلة قطعتها السيارة من جدة إلى نجران٬ تلك المنطقة الأثرية التي تستحق بالفعل أن يقف المرء على آثارها وتاريخها٬ وكيف لا٬ وهي معبر تاريخي للجزيرة العربية ورابط تجاري بين شمالها وجنوبها وشرقها وغربها، ولا تندهش عندما تعرف أن تلك المدينة الصغيرة يعمل بها حاليا 30 بعثة أثرية، تحت إشراف الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، تضم فرقاً علمية متخصصة في البحث والتنقيب الأثري، تضم علماء سعوديين وأجانب٬
فالحضارة كما يقال لا تكشف عن أسرارها دفعة واحدة٬ والمدينة التي تحوي « الأخدود» ذلك الأثر الإيماني والقرآني٬ تضم أيضا العديد من آثار حضارات ما قبل التاريخ؛ فقرية الأخدود تحكي قصة أناس عاشوا قبل أكثر من ألفي عام ورد ذكرهم في القرآن الكريم، في سورة البروج، حيث قال الله عز وجل: «قتل أصحاب الأخدود ، النار ذات الوقود ، إذ هم عليها قعود»، والزائر لقرية الأخدود الأثرية تدهشه العظام الهشة والرماد الكثيف المتخلف عن المحرقة الهائلة التي حدثت في المدينة قبل أكثر من 2020 سنة تقريباً، بالإضافة إلى بقايا الرسوم القديمة بنقوشها المختلفة، كاليد البشرية والحصان والجمل والأفاعي المنحوتة على الصخور، والأحجار الكبيرة، والرحى العملاقة وبقايا المسجد أحد أبرز تلك الآثار.
منطقة “الأخدود”
منطقة الأخدود يرتادها 3000 زائر شهريا ، وأول ما يصادفه الزائر، جدار دائري (سور) يحيط بالمنطقة بكاملها ، مشيد من الحجارة المربّعة ومزيّن من الأعلى بشرفات ، يشرف عليه حراس يحرسون المنطقة الاثرية، وبعد الدخول من البوابة تجد حديقة مزروعة بأشجار الاراك، وفور الانتهاء منها تجد أمامك قلعة كبيرة مهدمة أجزاؤها، وتقابلك أثناء الدخول من بابها نقوش ورسومات لأشخاص و حيوانات ، واسماء نقشت على الجدارن، بعد ذلك تجد أمامك مكانا مرتفعا، تشاهد منه كافة أحياء المدينة ، وأثناء تنقلك في القلعة المهدمة تجد أماكن للتنقيب والحفريات التي تجري لاكتشاف أثارها، وقد تتعثر فجأة لتجد امامك عظاما مفحمة وهشة وأثار رماد في موقعها المختلفة.
ويعد موقع الأخدود الأثري نموذجًا للمدن المميزة لحضارة جنوب الجزيرة العربية، وهو مكان مدينة نجران القديمة، التي ورد ذكرها في النقوش العربية باسم (ن ج ر ن)، ويعود تاريخ القلعة أو «القصبة» التي تشكل العنصر الأبرز في الموقع إلى الفترة الممتدة من 500 قبل الميلاد إلى منتصف الألف الأول الميلادي، وهي فترة الاستيطان الرئيسية للموقع، والقلعة أو القصبة عبارة عن مدينة متكاملة مستطيلة الشكل يحيط بها سور طويل، ويمثل نظام التحصين للقلعة، الذي كان معمولاً به في مدن جنوب الجزيرة العربية، نظاما دفاعيا قويا، يحمي المدينة وسكانها من الهجمات الخارجية.
حفريات لهيئة السياحة والتراث
ونظرًا لأهمية الموقع من الناحية التاريخية والأثرية، نفّذت فيه الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني كثيرا من الأعمال الأثرية، تمثلت في حفريات داخل القلعة أسفرت عن عدة نتائج مهمة منها ، اكتشاف مسجد شمال شرقي القلعة، يعد الأقدم في المنطقة حتى الآن، حيث يعود تاريخه إلى القرن الأول الهجري (السابع – الثامن الميلادي)، ولا تزال أعمال الحفر والتنقيب الأثري مستمرة في الموقع، ومن أهم القطع التي وجدت في الموقع؛ قطع فخارية كونت بعد ترميمها مجموعة من الجرار كانت تستخدم للتخزين، وعدد من الطاسات الفخارية المتنوعة من حيث الشكل وطريقة الصناعة أو المواد المضافة إليها.
آثار «ذو نواس» والبيزنطيين
شهدت نجران طوال تاريخها أحداثا مهمة، تمثلت في الحملات العسكرية الكثيرة التي تعرضت لها من قبل القوى العظمى في فترات مختلفة من التاريخ، أدت بعض هذه الأحداث إلى حصارها واحتلالها، والبعض الآخر إلى تدميرها، وأبرز تلك الأحداث «حادثة الأخدود»، المذكورة في القرآن الكريم؛ بعد أن أقدم «ذو نواس»، آخر ملوك “التبابعة” على الانتقام من مسيحيي نجران، عندما رفضوا اعتناق الديانة اليهودية، كما تتمتع المنطقة بوجود آثار ومواقع مهمة تعود للفترات البيزنطية والأموية والعباسية، وكلها تؤكد أن المنطقة كانت ذات موقع تجاري وزراعي مهم وعمق حضاري لافت.
نقوش هيروغليفية قديمة
وتعد نجران، بما سجله التاريخ فيها، متحفًا تاريخيًا حيًا، خصوصًا بعد اكتشاف آثار متعددة؛ حيث تشتمل على نقوش وكتابات بالخط المسند، وهو الخط الذي استخدمته دولة «حمير» بين (115 قبل الميلاد و14 ميلادية)، ونقوش هيروغليفية ومصرية قديمة، إضافة إلى نقوش كوفية يعود تاريخها للعصور الإسلامية الأولى، وربما الأهم من ذلك؛ العثور على رسوم لبعض الحيوانات من خيول وجمال ونعام وظباء، إلى جانب مصنوعات يدوية مهمة، تثبت تواجد العنصر البشري في المنطقة خلال العصر الحجري.
أكبر»رحى» في العالم
وفي مكان تحيط به التلال التي تتناثر حولها الكثير من القطع الفخارية والأحجار، التي تدل على أن هذه المنطقة تجارية وسوق قديمة٬ عُثر على أكبر «رحى « في العالم ٬ كانت تستخدم في طحن»الحبوب».
مسجد من القرن الأول
المسجد الموجود بالموقع يعود إلى القرن الهجري الأول ، ويعد أقدم نموذج للعمارة الإسلامية في منطقة نجران، يرجع تاريخه لسنه 100هـ ، يقع في الجزء الشمالي من الأخدود٬ بني من الحجر والطين على مساحة كبيرة ، تتوسطه 5 أعمدة على شكل مربع، واللافت للنظر أن المسجد لا يحتوي على محراب.
متحف إقليمي
موقع الأخدود يعد أبرز المعالم الأثرية ليس على مستوى المنطقة فقط ، بل على مستوى الجزيرة العربية ؛ لأنه يروي قصة من أعظم القصص التي حدث في التاريخ، مما جعل منطقة نجران أحد مناطق الجذب للسياح، حيث لا يخلو المكان من السياح العرب والأجانب الذين يقطعون آلاف الكيلومترات لمشاهد آثار أهم القصص التاريخية العظيمة، وتم تسوير الموقع ووضع جلسات داخلية ، بالإضافة إلى إنشاء ممشى ومقهى تراثي، كما يتم إجراء أعمال بحثية مستمرة كانت ولا زالت نتائجها مبهرة٬ والعمل جارٍ على استكمال بناء وتجهيز متحف نجران الإقليمي أكبر متاحف المملكة