مكافحة الفساد .. عاصفة حزم تعيد للدولة 100 مليار دولار
إقرأ
جدة -وليد الفهمي
أكد اقتصاديون وقانونيون أن تشكيل لجنة مكافحة الفساد برئاسة صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ، وتوقيف عدد من كبار المسؤولين والشخصيات العامة ، عاصفة حزم جديدة لاجتثاث جذور الفساد، وترسيخ قيم حماية وصيانة المال العام والخاص، ورسالة واضحة بأن لا أحد كبير أو بعيد عن المسائلة ، مهما علا شأنه ، وأشاروا إلى أن اللجوء للتسويات المالية أولاً ، يتماشى مع النماذج العالمية المطبقة في القضايا المشابهة،
ويتوافق مع مقاصد الشرع ؛ بإيلاء الأولوية لاسترجاع المال ليعاد إنفاقه على مشروعات التنمية؛ وحرصاً على عدم تأثر النشاط التجاري والاقتصادي والاستثماري في المملكة ؛ لأن قضايا الفساد المالي معقدة ومتشعبة وتستغرق وقتاً وإجراءات طويلة ، ونوهوا إلى أن عدم قبول الموقوفين بالتسويات وثبوت التهم في حقهم ، ترتب عقوبات تتراوح بين التعزير والسجن والجلد أو كلاهما، وتوقعوا أن تعيد حملة مكافحة الفساد أكثر من 100مليار دولار لخزينة الدولة في مرحلتها الأولى.
تعيد للدولة100مليار دولار
يقول المستشار المالي والمصرفي فضل بن سعد البوعينين، إن ما تقوم به اللجنة العليا لمكافحة الفساد من تسويات مالية مع المتورطين في قضايا فساد واستغلال النفوذ والمنصب ، يتماشى مع الأمر الملكي القاضي بتشكيلها والصلاحيات الممنوحة لها من جهة ، ويحقق المصلحة العامة من جهة أخرى. ويوضح أن التسويات تمكن الحكومة من استرداد مساحات شاسعة من الأراضي المنهوبة في مواقع مهمة ، يمكن ضخها في وزارة الإسكان، مما يساهم في معالجة أزمة الإسكان ، كما أنها ستعيد لخزينة الدولة قرابة الـ 100مليار دولار.
المصلحة العامة أولاً
ويكمل البوعينين أن الدولة مهتمة أولاً بتحقيق المصلحة العامة وتحفيز المتهمين على إعادة ما نهبوه من أموال وأراض ، دون الدخول في قضايا قد تستغرق سنوات طويلة تضر بمصلحة الدولة، ويشير إلى أن الدولة ليست متعطشة للتنكيل بالمتهمين بقدر اهتمامها باسترجاع حقوقها المالية ، ووقف ثقافة الفساد وتقديم نماذج تردع من خلالها كل من تسول له نفسه مستقبلاً بممارسة الفساد، ويؤكد أن الحكومة نجحت في استرجاع حقوقها المنهوبة ونجحت في إرسال رسالة صريحة بأنه لن ينجو أحد بقضايا الفساد مستقبلاً.
قضايا «حق عام»
ويضيف البوعينين أن قضايا الفساد المالي من القضايا المعقدة والمتشعبة ، ولذلك الأفضلية للمدعي فيها وهو» اللجنة العليا»؛ إجراء تسوية تحقق فيها مصلحة الوطن والمواطنين ، ولو أسهمت في خروج بعض المتهمين، منوهاً إلى أن قضايا المال العام مرتبطة بالحق العام لا الخاص ؛ وبالتالي أي تسوية فيها تكون من صلاحيات اللجنة التي تضم النائب العام المعني بهذا الحق.
عالمياً.. التسويات المالية أنسب
ويقول البوعينين: لو عدنا إلى النماذج العالمية المطبقة في القضايا المشابهة ، لوجدنا أن التسويات المالية باتت مقدمة على أي إجراءات قضائية أخرى ، ويضرب مثلاً بوزارة العدل الأميركية التي قامت بتسويات متعددة بعضها مرتبط بجرائم غسل الأموال الأكثر خطورة في العالم منها ؛ تسوية مع «حزب الله «العام الماضي ، وقضايا تسوية مع بنك «أوف أميركا» بما يقرب من 16.65 مليار دولار ، وتسوية مع «جي بي مورجان تشيس» بمبلغ 13 مليار دولار ، وجميعها كانت متعلقة بقضايا فساد مالي ، ومنها عمليات غسل أموال وتهرب ضريبي ، وهي من الجرائم الكبرى عالميًا.
وتتماشى مع الشرع
واستطرادًا في النماذج الشرعية ، يواصل البوعينين قائلاً: إن أعظم ذنب يُعصى الله فيه بعد الشرك هو قتل النفس؛ ومع عظم الذنب المرتبط بحد القصاص؛ وهو حد شرعي دعم بنص القرآن العظيم؛ إلا أن تنازل أهل الدم عن حقهم في القصاص يدرأ إقامة الحد؛ وبعض تلك التنازلات تتم وفق تسوية مالية؛ ما يجعل من تسوية قضايا الفساد ماليًا أمرًا مقبولاً ومناطًا بصاحب الحق العام وهي الدولة ممثلة في اللجنة، ويجزم البوعينين إن التسوية التي عقدتها اللجنة العليا لمحاربة الفساد قد حققت مصلحة الحكومة ومصالح المواطنين ، لأنها أكثر اهتماما باسترجاع المال العام ليعاد إنفاقه على مشروعات التنمية؛ في الوقت الدي سينظر فيه القضاء قضايا من لم يتعاون أو يوافق على التسوية المالية.
المحاكمات في القضايا المقبلة
ويختتم المستشار المالي والمصرفي، بأن التسوية المالية في القضايا الحالية ارتبطت بشكل كبير بثقافة التعاملات المالية السائدة التي تعاني من ضعف النزاهة ؛ إلا أنها لن تكون متاحة مستقبلاً في القضايا الجديدة ، التي يعتقد أن تكون المحاكمات القضائية والعقوبات التعزيرية أساسًا لها، لذا يجب أن يكون هذا واضحًا للجميع ، وأن تبدأ الحكومة في فتح صفحة جديدة من مكافحة الفساد المستدامة ، بما يعزز النزاهة ويجعلها ثقافة عامة ، تجب ثقافة الفساد التي استشرت خلال العقود الماضية.
عقوبات المتورطين
ويقول المحامي حكم بن محمد الحكمي، إن التسويات مفضلة في مثل هذه القضايا ؛ لاعتبارات اقتصادية تهدف للحرص على عدم تأثر النشاط التجاري والاقتصادي والاستثماري في المملكة، إلا أن عدم قبول الموقوفين بالتسويات وثبوت التهم في حقهم ، ترتب عقوبات للمتورطين في هذه القضايا تتراوح بين التعزير والسجن والجلد أو كلاهما.
ويوضح الحكمي أنه لا حصانة لأي متهم في قضايا الفساد، وتوقع استعادة أموال وعقارات منهوبة لصالح أملاك الدولة ، متى ما توفرت الأدلة اللازمة التي تدين المتهمين ، كون الأصل براءة الذمة وأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته.
إعادة فتح «سيول جدة»
ووفقاً للمحامي والمستشار القانوني عبدالكريم القاضي ، أن توقيف المتهمين في قضايا الفساد واستغلال النفوذ والمنصب والرشا، يعيد فتح قضية سيول جدة من جديد ؛ حيث أنها لم تسقط بالتقادم، ويفسر بأن دعوى التعويض الناشئة عن الضرر تسقط بالتقادم حال انقضاء المدة المحددة إذا علم المتضرر بالمتسبب في الضرر أو بالمسؤول عنه، وهو ما لم يحدث في واقعة سيول جدة. ويضيف أن العبرة في بدء سريان التقادم ، بيوم العلم بالمتسبب في الضرر أو بالمسؤول عنه ، وليس بتاريخ حدوث الضرر، مما يرتب عدم سقوط دعوى التعويض لعدم مضي المدة بالتقادم ، رغم أن القضية مر عليها ما يقارب الـ 8 سنوات، وتوقع القاضي أن تكشف التحقيقات الجارية عن مفاجآت في قضية سيول جدة ، وربما تميط اللثام عن قضايا أخرى.
عودة هيبة الدولة
من جانبه أشاد الدكتور عبدالله المغلوث عضو الجمعية السعودية للاقتصاد ، بقرار خادم الحرمين الشريفين بمحاسبة المفسدين ومكافحة الفساد ، مبيناً أنها خطوه إيجابية تتوافق تماما مع أوامر الشريعة الإسلامية بحماية المال العام والخاص، كما أن القرار يسهم في تحقيق الشفافية اللازمة لتنمية الاقتصاد والاستثمار ، فضلاً على أنه من متطلبات رؤية المملكة 2030 ، الهادفة إرساء الثقة في الاستثمار داخل المملكة ، وتعزيز فرص النمو الاقتصادي ،
لاسيما أن إبراز الكفاءات من الأفراد والشركات ، بعيداً عن المحسوبية ، يشجع على قوة الإنتاجية وصدق المعلومة ويكشف جوانب التقصير ، حيث أن الإرادة السياسية القوية والحزم في مواجهة الفساد واجبان شرعيان ، وهما من أعظم ما يثبت دعائم كيان اَي دولة، ويختتم بأن القرار سيكون له أثر إيجابي على أبناء المملكة ؛ بإعادة الاموال التي تقدر بمئات المليارات من الريالات ، للاستفادة منها في مشاريع التنمية، وأيضا يعيد هيبة الدولة في الداخل والخارج.