الشاعر الكبير ” ابراهيم عبدالرحمن خفاجي ” اسم خالد وشامخ في ذاكرة الشعر الغنائي السعودي، تتجدد نجوميته ومكانته في قلوب السعوديين كشاعر للوطن مع تجدد أفراح الوطن بيومه المجيد، فهو المبدع الذي ترجم نيابة عن الوطن شعبا وقيادة معاني الحب تجاه الوطن بتأليفه النشيد الوطني للمملكة ، كما أمتعنا بعدة أشعار متنوعه تغنى بها عمالقة الغناء السعودي والعربي،
مما جعله من أبرز الشعراء الغنائيين في المملكة و والوطن العربي ، ولم يكن غريباً حصوله على ميدالية الاستحقاق من الدرجة الأولى مع البراءة الخاصة بها عام 1405هـ من الملك فهد بن عبد العزيز تقديرا لمجهوداته في وضع كلمات النشيد الوطني للمملكة ، وأن يكرمه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بوسام الملك عبدالعزيز في احتفال مهرجان الجنادرية عام 1433هـ، وأن يلقبه صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة بـ”أستاذ شعراء الأغنية السعودية”.
• ميلاده ومسيرته الوظيفية
ولد الشاعر إبراهيم خفاجى في مكة المكرمة عام 1345 هـ الموافق 1926 م بمنطقة الحجاز، بحي سوق الليل ، ينحدر من أسرة أدبية علمية ثقافية، بدأ حياته التعليمية بمدارس مكة المكرمة ، بمدرسة الفلاح أولا ، ثم التحق بعد ذلك بمدرسة دار العلوم الدينية، انقطع عن الدراسة بها والتحق بمدرسة اللاسلكي بمكة المكرمة وتخرج منها مأمورا لاسلكيا عام 1364 هـ ، ت
نقل بين قرى ومدن المملكة إلى أن عاد مجدداً إلى مكة المكرمة في قسم الأخبار بالنيابة العامة، وفي عام 1373 هـ انتقل إلى قسم الاستماع بالإذاعة، ثم انتقل عمله فيما بعد إلى وزارة الصحة وعمل بقسم المحاسبة ثم أصبح رئيساً للقسم ثم وكيلا للإدارة المالية،
وفي عام 1972م التحق بمعهد الإدارة بالقاهرة وحصل على دبلوم في إدارة الأعمال والإدارة المالية فأصبح مديراً للإدارة المالية بوزارة الزراعة لشئون المياه بالرياض ، ثم كانت عودته إلى مكة المكرمة فأصبح المفتش المركزي لـــوزارة الزراعة والمياه بالمنطقة الغربية، وفي عام 1389 هـ طلب إحالته إلى التقاعد فأجيب طلبه بعد خدمة تقارب الـ 25 عاماً.
• كتابة النشيد الوطني في 6 شهور
كان الملك خالد في زيارة إلى جمهورية مصر ، وبينما كان في المنصة الرئيسية عزف السلامان الملكي السعودي والمصري، وكان السلام الملكي السعودي عبارة عن موسيقى فقط أعــدت منذ عهـــد الملك عبد العزيز، فطلب من المختصين إعداد كلمات لنشيد وطني يكون مطابقا للموسيقى الموجودة في ذلك الوقت، فطلب المسؤولون من خفاجي أن يقوم بعمل كلمات النشيد الوطني وسلموه شروطا عدة، فأتمه بعد 6 أشهر ،
وكان هذا في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، ولحن الكلمات الموسيقار المصري المهاجر إلى السويد منذ عام 1948 عبدالرحمن الخطيب ، ووزعه واعده للتنفيذ الموسيقار سراج عمر في العام 1404 هـ، وقد بدأ بثه رسميا أثناء افتتاح واختتام البث التلفزيوني والإذاعي اعتبارا من يوم الجمعة 1/10/1404 هـ، ، وكانت موهبة خفاجي الشعرية قد بدأت منذ فترة مبكرة، وأول نص غنائي له كــان ” يا ناعـس الجــفن لبيه ” الــذي لحــنه وتغنـــى به الموسيقار طارق عبد الحكيم وكان ذلك عام 1364 هـ، ثم جدده فنان العرب محمد عبده.
• أعمال وطنية أخرى
ولخفاجي الكثير من الأغنيات والأناشيد الوطنية الأخرى منها؛ أوبريت «عرائس المملكة» الذي قدم بأصوات كل من طلال مداح ومحمد عبده وراشد الماجد وعبدالمجيد عبدالله ، وقدم محمد عبده تحديدا الكثير من الأغنيات الوطنية التي كتبها خفاجي ، من أشهرها على الإطلاق «أوقد النار ياشبابها و فهد يارمز باقي للأبد و تعال معايا بلادي الغالية و حنا الحرس و سيوف النصر و صبيا و مرني عند الغروب» وغيرها الكثير من الأعمال مثل «كوكب الأرض» وبعض الأغنيات الوطنية للراحل طلال مداح.
• قصة اغنية “صبيا”
خفاجي شاعر قدير، وفي أغنية “صبيا” مثلا يعيش المستمع معه أدق التفاصيل التي تلامس الوجدان وكأنه زار معه “منطقة جازان” وعاش اللحظة، نشعر عند ترديد هذه الأغنية بأن ثمة صورة تتشكل، ومشهدا جماليا بديعا يلوح للمستمع، ولم يكن الأهالي الذين يسكنون في القرى والأرياف “في جازان “يتخيلون أن لحظة لقائهم بموظف وزارة الصحة “خفاجي” سيخلدها التاريخ.
بدأت قصة اغنية ” صبيا ” التي كتب كلماتها خفاجى” ولحنها وغناها فنان العرب في ستينيات القرن الماضي، عندما كان خفاجي موظفاً في وزارة الصحة، وكان منتدباً في جولة على عدد من المناطق، وعند زيارته لمحافظة صبيا بمنطقة جازان، وتجوله في أرياف المنطقة لكتابة تقرير عن الخدمات الصحية كأي موظف حكومي، لفت نظره الفتيات اللواتي يضعن الفل على رؤوسهن وينقشن كفوفهن بـ”الحنا” بأسلوب جمالي تعودن عليه في ذلك المكان،
فسأل الأهالي حينها، بإعجاب عن نوع هذه النقشة التي كانت موضة حينها، فأخبروه بأنها تسمى النقش اليماني، وأعجب خفاجي الذي كان قادماً حينها من مكة المكرمة بطبيعة المكان وبساطة الناس المتواجدين وتلقائيتهم، وهو شاعر مرهف وحساس، وارتبط عاطفياً باللحظة، فأحب ترجمة تلك المشاعر الجياشة في كلمات، وأعطاها فنان العرب الذي سجلها حينها في بيروت، ووصلت الأغنية إلى الناس ولاقت نجاحاً كبيراً.
• دويتو خفاجى ومحمد عبده
شكل خفاجي ومحمد عبده ثنائي ناجح؛ كان خفاجي يكتب الأغنية بلا تعقيد وببساطة تدخل إلى القلب، وتحتل منه النبضات، على حد وصفه، وقد عبر فنان العرب خلال حفل التكريم الخاص بالشاعر صديق دربه الفني ” خفاجي” عما لم يقله في السابق، أو ما لم يعرفه كثيرون،
من خلال سرده للذكريات الجميلة التي جمعته بإبراهيم خفاجي، فقد تنقل فنان العرب في حديثه عن خفاجي بين مرحلة البدايات وقربه منه “إنساناً وشاعراً ومعلماً وناصحاً” ،واستذكر أشعاره حيث قال: لا يحتاج إلى مقدمة، فهو رسول محبة وعنوان جميل ووفاء، ووجوده ” محمد عبده” للمشاركة في حفل التكريم ترجمة حقيقية لعلاقته بإبراهيم خفاجي.
• الأب الروحي
ومكانة خفاجي كبيرة بين زملائه من رفقاء دربه، والمطربون والمواهب الجديدة والشبان الذين يسعون لتحقيق طموحاتهم في عالم الفن ” وقتها”، حيث تعتبره مختلف الأطياف الأب الروحي، «عراب» الأوساط ذات العلاقة بالثقافة والإعلام والفن، إلى درجة لا يكاد يطرأ أو يمر حدث ما، إلا ويكون لخفاجي فيه رأي أو مشورة أو طلب لاستزادة أو التشرف بالارتباط باسمه في عالم الفن والأغنية تحديدا.
وهو ذلك الاسم الذي تجده في كل مكان يحتاجه فيه أبناء الوسط، أيضا من المشهود له اهتمامه بالمواهب القادمة إلى ساحة الفن في الماضي القديم ؛ مثل عبدالمجيد عبدالله وطلال سلامه وغيرهم، حيث نصوص الشاعر إبراهيم خفاجي كانت ولازالت تشكل القاسم المشترك الأعظم بين الاصوات السعودية ، كما تغنى الفنان طلال مداح – رحمه الله – بالعديد من كلماته، وكانت أغنية «سيد أهلي» من كلماته وألحان سامي إحسان هي التي أوصلت الفنان عبدالمجيد إلى المجد والشهرة في عالم الأغنية محليا وإقليميا
• وسام الملك عبدالعزيز
ابراهيم خفاجي الذي يفخر بكتابته نص السلام الملكي «سارعي للمجد والعلياء» كان طوال هذا العام محل تكريم مختلف الاوساط بعدما تشرف بالسلام على خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي قدم له تكريما كبيرا هو وسام الملك عبدالعزيز في احتفال مهرجان الجنادرية عام 1433هـ ،
ومن ثم كرم مرتين من صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، الذي زاره في منزله بمكة المكرمة بعد تكريمه في الجنادرية من قبل خادم الحرمين الشريفين، وأثناء تلك الزيارة اطلق عليه الفيصل لقب” أستاذ شعراء الأغنية السعودية” ، أيضا تم تكريمه للمره الثانية في افتتاح مهرجان الصيف في الطائف قبل أشهر ، والذي نظمته محافظة الطائف وقال سموه لخفاجي ” وطنك يفخر بك”.
• التعاون مع فنانين عرب
ظل خفاجي طوال عمره يعطي بنفس روح الموهوب، وكتب العديد من الأغنيات التي لحنها ملحنون سعوديون وتغنى بها فنانون عرب منهم ( صباح وجاكلين وسميرة توفيق وكارم محمود ومحمد قنديل واحسان صادق ووديع الصافي وشريفة فاضل وهيام يونس ونزهة يونس وعايدة ابو خريص ونجاة الصغيرة وفايزة احمد وعلي عبدالستار) ، لذلك اعتبر خفاجى شاعر العرب عن جدارة .
• جوائز وتكريمات
كرم خفاجي عام 1433 بوسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى، وحصل على ميدالية الاستحقاق من الدرجة الأولى مع البراءة الخاصة بها عام 1405هـ من الملك فهد بن عبد العزيز تقديرا لمجهوداته في وضع كلمات النشيد الوطني للمملكة، وفازت أغاني خفاجي بالكثير من الجوائز منها أغنية (أشقر وشعره ذهب)، التي حصلت على جائزة هيئة الإذاعة البريطانية ( bbc ) كأفضل أغنية في أوائل أعوام سبعينيات القرن الماضي ، وكرمته جامعة أم القرى في ذي القعدة 1416هـ لنجاحه في وضع كلمات أوبريت (عرائس المملكة)، وكرمته جمعية الثقافة والفنون بجدة في شعبان 1420هـ لعطاءاته المتميزة فـــي عالم الأغنية السعودية، وفي شهر شوال من عام 1425 هـ كرمته “اثنينية” عبد المقصود خوجة، وهو رئيس اللجنة المشرفة علـى أعـــداد الموسوعة الصوتية للتراث السعودي وأول رئيس لجمعية الفنون بالمنطقة الغربية، وكرمه النادي الأدبي بـمكة المكرمة عام 1431 هـ .
• بحاجة لدعاء الجميع
واليوم بعد هذا المشوار العريق يرقد حالياً الشاعر السعودي إبراهيم خفاجي، مؤلف النشيد الوطني للمملكة العربية السعودية داخل مدينة الملك عبدالله الطبية في مكة المكرمة؛ إثر تدهور حالته الصحية أثناء تواجده بأحد المساجد في المدينة المنورة، وهو في أمس الحاجة لدعاء الذين طالما اسعدهم بكلمات أناشيده وأغانيه التي عبرت بصدق عن الوجدان السعودي والعربي.