مجلة اقرا

غازي القصيبي وزيراً أضاء البيوت وأديباً أنار العقول

جدة: أميمة الفردان
سبعة أعوام خلفها صاحب “شقة الحرية” الذي قال عن عالم الرواية أنها “ديوان العرب الجديد”؛ غازي بن عبد الرحمن القصيبي الإسم الذي حفراً عميقاً في الذهنية السعودية؛ وترك بصمة لا يمحوها مرور الأيام وتعاقب الليل والنهار؛ على عقول انارها وزير المياه والكهرباء في السعودية لوزارته المستحدثة التي تقلّد زمامها؛ وأدخل فيها الكهرباء للبيوت السعودية.
القصيبي الذي وصف الفترة التي وُلد فيها بـأنها كئيبة؛ بسبب فقدانه لوالدته بعد تسعة أشهر من ولادته؛ فيما كان قد توفى قبل ولادته جده لوالدته؛ ما حمله على أن يكون بين نار حزم والده وفيض حنان جدته لأمه؛ الأمر الذي انعكس بشكل ايجابي على شخصيته؛ كما أبان في احدى لقاءاته التلفزيونية جعله يتخذ مبدأ كان سبباً في نجاحه؛ في كل الأعمال والمناصب التي أوكلت له مهامها “السلطة بلا حزم تؤدي إلى تسيب خطر، وأن الحزم بلا رحمة يؤدي إلى طغيان أشد خطورة”.
لم تكن رحلة القصيبي مفروشة بالورود؛ بل على العكس كانت دائماً وابداً محفوفة بالمخاطر؛ ربما بسبب عقله المفكر الذي لا يقبل إلا المنطق؛ من جهة؛ فيما يبدو أن شخصية الأديب والشاعر سببت له اشكالات كبيرة؛ في مجتمع بسيط لم يعتد على قبول الإختلاف! وهو الأمر الذي واجهه في بداية حياته المهنية، عندما أصدر أول ديوان شعري واهم دواوينه على الإطلاق “معركة بلا راية”
الذي سارت من أجل منعه وفود لجلالة الملك فيصل رحمه الله؛ في حين كان موقف الملك عبد الله رحمه الله تجاه منع الديوان وحديثه للملك فيصل حسب رواية شاعرنا نفسه ” سمعت من أحد المقربين إليه أنه اتخذ خلال الأزمة موقفاً نبيلاً وحث الملك فيصل على عدم الاستجابة إلى مطالب الغاضبين المتشنجة”.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد؛ بل توالت نجاحات القصيبي على المستوى الفكري والنتاج الأدبي؛ الذي لم يعيقه عمله في الوزارات المتعددة التي تقلدها؛ بدءً من الكهرباء ثم الصحة وآخرها العمل التي حملته أكثر مما يحتمل؛ إلا أنه كان الأكثر فاعلية وجرأة في التعاطي مع ملفات العمل، المكبلة بأيادي البطالة حينها بشكل لم تشهده السعودية في أي وقت من الأوقات!
لتأتي أعمال القصيبي الأدبية الشعري منها والروائي؛ وربما كانت “شقة الحرية، والعصفورية” من أبرز الأعمال؛ التي حظيت برواج وتصدرت عناوين الصحف في ذلك الوقت؛ لتتحول شقة الحرية إلى عمل درامي؛ عُرض على شاشات التلفزيون؛ إلا أن ذلك العمل لم يلقى نفس القبول الذي حظيت به الرواية؛ الأمر الذي علق عليه القصيبي نفسه بقوله “انا مسئول عن الرواية لأنني املك ادواتها؛ فيما أدوات العمل درامي مختلفة تماماً ومسئول عنها العاملين في حقلها”؛
وهو ما يبين العقلية المنفتحة، والمنطق الذي ينطلق منه الوزير الشاعر في تقييمه وحكمه على الأمور؛ وهو جزء من شخصية القصيبي على قدر كبير من الأهمية؛ مكّنه من اعتلاء صهوة العمل الديبلوماسي؛ ليصبح سفيراً فوق العادة؛ لبلده في عاصمة الضباب؛ وهو ما كان واضحاً وجلياً في طول المدة التي مكث فيها سفيراً في بريطانيا؛ لمدة إحدى عشر عاماً.
كانت له فيها صولات وجولات على صعيد الأحداث السياسية؛ التي كانت متأججة؛ خاصة في فلسطين لتأتي قصيدته الأشهر حينها “قصيدة الشهداء” التي مجّد فيها للعمليات الاستشهادية في فلسطين؛ الأمر الذي أدى لتدهور العلاقات الديبلوماسية مع انجلترا وانهت عمله الديبلوماسي؛ ليعود وزيراً!
وصول القصيبي لمجلس الوزراء السعودي؛ واعتلاء مناصب إدارية ووزارية؛ لم يكن بطريق الصدفة؛ وإن لم نأتي على تحصيله العلمي الذي كان له أثراً كبيراً ؛ إلا أن القصيبي نفسه أرجع السبب إلى العلاقة الوطيدة التي ربطته بالملك فهد؛ عندما كان ولياً للعهد؛ وادت إلى تعيينه في العام 1981م، وزيراً للصحة؛ فيما كان للثقة المطلقة التي منحها الملك للوزير الجديد، أثراً كبيراً في الدعم الذي لاقاه الوزير؛
وانعكست أثاره على الوزارة التي كان لها الوزير انساناً أكثر منه ادراياً؛ إلا أن العلاقة بين الوزير والملك كانت نهايتها تحمل توقيع دراما شكسبيرية؛ بسبب قصيدة الوزير الشاعر “سيف الدولة الحمداني” التي دقت آخر مسمار في نعش علاقة الملك بالوزير. الكتابة عن قامة أدبية وإدارية من عيار القصيبي الثقيل؛
ليس بالأمر السهل؛ فالحبر وان جف؛ يظل القلم جارياً في سيرة لن يتوقف الناس عن تداولها؛ من خلال نتاج أدبي وفكري؛ رسّخ من خلالها القصيبي كل جهده؛ لإنارة عقول هي عين المستقبل الجديد؛ الذي تطمح له أجيال جديدة من السعوديين؛ تجدهم يتلقفون كلماته بحب لنشرها عبر وسائل التواصل الإجتماعي؛ مستقين الحكمة والخبرة من قامة لم تنحني يوماً وقالت كل ما تريد؛ دون أن يرف لها جفن.