بقلم: السعد المنهالي
يضع أحدهم -في تجربة علمية- ضفدعا في إناء معدني صغير به ماء، وفي استكانة تامة يبقى الضفدع بلا حراك داخل الإناء الذي يتعرض لنار الموقد. ورغم عدم عمق واستمرار ارتفاع درجة حرارة الماء يبقى الضفدع ساكناً بلا حراك. وكون الضفدع من الكائنات المعروفة بقدرتها العالية على التكيف مع بيئتها، يتمكن الضفدع من شحذ كل طاقته ليتكيف جسده وللتعايش مع البيئة في الماء الساخن، ولكن عندما يقرر القفز خارج الإناء بعد أن يبدأ الماء في الغليان، تخذله طاقته، فقد نفدت سابقاً بعد أن استغلها تماماً في تكييف جسده على بيئة كان واضحا تماماً أنها تُضعفه. أخيراً نفق الضفدع المسكين داخل إناء ماء صغير كان القفز خارجه منذ البداية أمراً في غاية السهولة!
في الحياة الإنسانية، كثيرة هي العلاقات التي تحيط بها ظروف يتضح سوؤها منذ البداية، ومع الوقت تزداد الأمور سوءاً، ورغم ذلك تجد بعض أطرافها يتعاملون بكل جَلَدٍ وصبر على أمل تغير الأحوال وتحولها إلى الأفضل دون وجود مبرر حقيقي لهذا الأمل. في أحيان كثيرة يبدو بعضنا موهوماً بقدراته وإمكاناته في تحويل محيطه إلى واقع آخر تماماً، وهنا يظهر سوء تقدير وقياس ما نملكه فعلاً من إمكانات وقدرات وبين الواقع الذي نواجهه. إن التقدير المستحق لقدرات الإنسان لذاته ولمحيطه، واستعماله في الوقت المناسب قبل فوات الأوان، هو أمر مهم جداً بل ومصيري لتقدير ساعة الحزم قبل أن تجرفه الظروف إلى غير ما أراد لنفسه.
في رأيي أن النظر إلى الحياة وعلاقاتنا فيها يجب أن تكون من الزاوية التي تؤهلنا للسيطرة عليها، أي من الجانب الذي نكون فيه فاعلين، نحرِّك فيه معطيات تخصنا لا تخص غيرنا. سيقول البعض إن الحياة تظلمنا أحياناً وتضعنا في مواقع لا يد لنا فيها، مواقع لا نملك فيها أدوات تخصنا! الحقيقة أن التعرض لسلوك عدم الإنصاف أو الظلم من الآخرين لا يعود دائماً إلى كونهم ظالمين فقط، ففي الأساس نحن مَن نظلم أنفسنا بوضعها في مكان يجعل الآخرين يذهبون بنا إلى هذه المرحلة. ومن أشكال عدم الإنصاف مع النفس في سوء تقدير ذواتنا، الاعتقاد أننا نملك من القدرات أكثر مما نحن فيه حقيقةً، فنعيش الوهم ونعامل الآخرين على أنهم ظلمونا لأنهم لم يقدّرونا كما نعتقد، أو أننا -على النقيض- نقدِّر أنفسنا بدرجة أقل مما نستحق فنُنزل من مكانتها، ونجعل أنفسنا محط عدم إنصاف الآخرين وظلمهم. ويحدث هذا رغم أن الحياة أكبر بكثير من مجرد إناء يضعنا فيه الآخرون.