الحوار

الكوتش رؤى زارع .. بعد سنوات الغربة تفاجئ عائلتها وتعود مدربة رياضية محترفة

جدة – ليلى باعطية
(كثيرة هي الأحلام والآمال، لكن القلة من يتمسكون بحلمهم ويسعون لجعله واقعاً ملموساً، ويتجاهلون رفض من حولهم ، فالشغف يظل شغفاً وأن طال أمد تجاهله)؛ كلمات تلخص قصة ومسيرة “رؤى طلعت زارع “، فرغم أن الحياة جعلتها تبدأ في مجال لا يستهويها، نجحت في انقاذ نفسها وغيّرت المسار، وها هي الآن مثالٌ يُشاد به في المثابرة والإنجاز.
” رؤى ” سعودية تنتمي لعائلةٍ شغوفة بالرياضة، فهي ابنة الإعلامي القدير طلعت زارع ، مدير العلاقات العامة لنادي الاتحاد السعودي ومشرف لعبة التنس سابقاً ، وجدّها كان أحد لاعبي كرة القدم في النادي نف-سه، ذهبت إلى بريطانيا لدراسة الماجستير في تخصص ” الرعاية الصحية “،
وبعد سنوات الغربة عادت إلى أرض الوطن لتكتشف عائلتها أنها غيّرت مجالها وعادت لهم ” مدربة رياضية ” دولية محترفة ، وتثمن زارع قرار ( رياضة الطالبات) وتراه فارق في حياة المرأة السعودية ، معلنة سعادتها بتطور المجتمع وتقبله لممارسة النساء للرياضة . تفاصيلٌ شيقة ، ورحلة طموح وتحدٍ لا يعرف المستحيل تأخذنا ” رؤى ” في تفاصيلها عبر حوارها في مجلة ” اقرأ “.
• الشكل والمضمون
تقول زارع إنه منذ كانت طفلةً صغيرة نمّى والدها في داخلها حب الرياضة، فكان دائماً يصحبها برفقته إلى النادي الرياضي، كانت ترى اللاعبين في النادي يمارسون التمارين لتقوية أجسامهم ، فكان ذلك كفيلاً بأن يُلغي الفكرة السائدة لديها ؛ بأن الذهاب للنادي وممارسة الرياضة الهدف منه خسارة الوزن الزائد، وتبيّن لها أن من أهم أسباب وجودهم بالنادي منحهم القوة، وهذا أمر مهم جداً أكثر من الشكل.
• المحترفة الوحيدة
وتضيف زارع ، أنها ذهبت مع زوجها للندن لإكمال شهادة الماجستير في الرعاية الصحية، وبعد مرور سنتين من الدراسة انجبت ابنتها، فأصبح حينها النادي الرياضي منزلها الثاني فازداد شغفها بالرياضة أكثر وتمسكت كثيرا بهذا الشغف، التحقت بـ ” YMCA” وهي أول منظمة في المملكة المتحدة لتخصصات الصحة واللياقة البدنية ولم يكن لديها حينها سوى مستوى2،
وبدأت في الدراسة فيها ، ودعمت تعطشها بكل ما يخص الرياضة بالقراءة والاطلاع، وأكملت مسيرتها إلى أن وصلت إلى مرحلة الاحتراف في التدريب الشخصي، وساهم ذلك في زيادة ثقتها بنفسها، خصوصاً وأنها كانت حينها السعودية الوحيدة التي تصل إلى مرحلة الاحتراف.
• تعليقات سلبية وإيجابية
وتتذكر زارع ضاحكة عودتها إلى أرض الوطن ؛ مدربة رياضية محترفة في مفاجأةً غير متوقعة ، مفسرة ضحكتها بأن أبرز التعليقات التي سمعتها هي : (بعد كل سنوات الدراسة والغربة حتصحي من الصباح تنطنطي؟!)، مشيرة إلى هذا التعليق يعكس المفهوم القديم لوجهة نظر بعض الأفراد تجاه الرياضة ، لكنها لم تلتفت لكل التعليقات السلبية ،
لأن تركيزها كان متوجهاً نحو قناعتها بإنجازها، وأيضاً نحو التعليقات وردّات الفعل الايجابية التي لمستها من الكثيرين، ولا تنسى زارع سعادة وردة فعل مديرة أوروبية لمركز صحي (كبيرة في السن ) عندما صرخت من الفرحة بعد ترقية “زارع” في المجال في أقل من ٦ أشهر قائلةً: (أخيراً رأيت فتاة سعودية في هذه المرحلة من المعرفة بالرياضة و الاحتراف قبل موتي ).
• محاولات لعودتها للرعاية الصحية
وتكشف زارع أن البعض “صدم”عندما عادت من الخارج ، ولم يتقبل الأمر في البداية ؛ كونهم حصروا تفكيرهم فقط في رؤيتها تعمل “على مكتب وفي الورق”، رغم علمهم بان ذلك ليس من ميولها، فكانت محاولاتهم حثيثة لعودتها إلى مجال ” الرعاية الصحية “، ومنهم من قام بالتواصل مع أشخاص لتوظيفها، ورغم وجود وظائف إلا أنها لم ترضخ وتمسكت بما هي مؤمنةٌ به، لذلك كان مصيرهم أن يقتنعوا بأنها على الطريق الصحيح والملائم لها، وعندما خاضت عملياً غمار عملها لامسوا الفرق في نفسيتها؛ كيف كنت في السابق وكيف أصبحت، وهذا جعلها تشعر وتتيقن بأنها على الطريق الصحيح.
• الانتقال لعالم “الكيك بوكس”
وتؤكد زارع أن فترة تواجدها في أوروبا منحتها دافعٌ كبير للتعمق في عالم الرياضة أكثر وأكثر، وعندما لمست تطورها السريع من بين جميع المتدربات وتفوقها، كان الشغف لديها يزداد، فكان ذلك دافع قوي لتنتقل إلى عالم الـ “pootcamp و kickboxing “ومنحت على إثر نجاحها فيهما شهادات اجتياز ، وتشير زارع إلى أنها لازلت إلى الآن تشعر بالجوع الرياضي بداخلها وتحاول التعمق أكثر فأكثر في الرياضة.
• سلبيات في الخارج
وتقول زارع إنه رغم تقدم أوروبا إلا أن الصورة ليست وردية بالكامل ؛ فقد لاحظت أن مرتادات النوادي الرياضية أغلبهن من فئات عمرية معينة، تقريباً في الـ 50 من العمر وما فوق، والسبب رغبتهن في التخلص من مشاكل معينة أو اطالة العمر، وأنها لم تكن ترى كثيراً المراهقين و الشباب في النوادي الرياضية إلا ما ندر ، والسبب انشغال أغلبهم بالحياة والعمل.
• تطور نظرة السعوديات للرياضة
ولا تخفي زارع مفاجأتها عندما عادت إلى أرض الوطن ، وسعادتها كثيراً لما لمسته من إيجابية وتطور في تفكير المجتمع السعودي تجاه الرياضة النسائية، فأصبح هناك العديد من المدربات المحترفات السعوديات، وأيضاً تفاجأت جداً بإقبال المراهقات والشابات على ارتياد النوادي الرياضية،
وسعادتها كانت كبيرة جداً لأنها لمست تغيّر الثقافة والاقبال على التمارين الرياضية وتغير نمط حياة الشابات والنساء عموماً ليكون صحياً ويتمتعن باللياقة، ورغبتهن أيضاً في جعل الرياضة سلوك حياة ليس الغرض منه فقط الحصول على شكل جسم جيّد، ليكون هذا عامل مهم جداً في تسهيل إيجاد بيئة للعمل.
• لا شعور بالندم
وتؤكد زارع أنها لم تشعر بالندم لعدم اكمال تخصصها في الرعاية الصحية قائلة :عندما التحقت بالرعاية الصحية كان السبب حبيّ له كوني أميل للأمور التي فيها رعاية واهتمام بالصحة، ولأنه لم يكن يوجد تخصص رياضة بدنية التحقت به كونه الأقرب له، والحمدلله لا وجود لشعور الندم بداخلي، لأن الأيام أصبحت تزيدني ثقةً نظير المراحل التي اجتزتها والتي وصلت لها وسأصل لها قناعةً ويقيناً بأن قراري كان صائباً، وأصبح شعاري ونصيحتي للفتيات اللواتي يبحثن عن عمل choose a job you love, and you will never have to work a day in your” life”
• الطريق مازال طويل
وتنوه زارع إلى أنها رغم مفاجأتها عندما عادت من أوروبا بانتشار الثقافة الرياضية النسائية ، إلا أن الطريق لا يزال طويلاً، حيث لا يزال هناك خلل في تقبلها عند البعض، والدليل وجود فئةً لا تزال تنقصها الثقافة والقناعة تجاه نجاح المرأة السعودية في هذا المجال وأنها ليست مقتصرة على الذكور، وهذه القناعات المغلوطة ساهمت كثيراً في تأخر تطور الرياضة النسائية في السعودية.
• الرياضة بمدارس البنات
وتعبر زارع عن تأييد تطبيق برنامج التربية البدنية في مدارس البنات، قائلة :كنت ولازلت من المؤيدين بقوة لهذا الأمر، وقد كنت أتابع منذ كنت في لندن جميع ما يتم تداوله حول قرار السماح بممارسة الرياضة في المدارس، فقد كنت أرى ازدياد السمنة عند السيدات في المملكة وتصدرها لأعلى النسب، حيث كانت تتصدر مركز من أول 5 مراكز للأسف، لذلك أرى أن القرار كان سليماً جداً ، وسيكون فارقاً في حياة المرأة السعودية، وله دور كبير في تغيير أرقام و نسب صحية وأفكار كثيرة.
• وعي المدربات ضروري
وبحسب زارع أنه عند تفعيل قرار التربية الرياضية في مدارس البنات يجب مراعاة الفئة العمرية للطالبات اللواتي سيتم تدريبهن في المدارس، لأن كل مرحلة عمرية يلزم لها طريقة مختلفة عن الأخرى حسب النمو الجسماني، لذلك يجب على المدربة أن تعي ذلك بمعرفة التمارين المناسبة.
• الجانب النفسي مهم
وتوضح زارع ان التدريب الرياضي ليس عملية بدنية فقط ، ولكن الجانب النفسي مهم ، فكثيرا ما تأتيها سيدات يعانين السمنة المفرطة، ويرغبن في التخلص من استهتار سنواتٍ مضت في فترة بسيطة، لذلك يجب أن تعرف بعض أمور حياتهن والأسباب التي أوصلتهن إلى هذه المرحلة لتصل من خلال حوارها معهن إلى نقطة الضعف والمشاكل ومعرفة نقاط القوة لديهن؛ فذلك يساهم في جعل تدريبها لهن أسهل ، والوصول إلى نتائج ومرضية بشكل أسرع وصحيح وصحي.
• الرياضة والتعافي من الإدمان
وتقول زارع إنه في التدريب الشخصي لاحظت أن الفئة المقبلة عليه غالبا ما يكون لديهن احباط شديد سواءً من ناحية الجسم أو أمور أخرى، لذلك تعاملت مع حالات كثيرة ومختلفة، من أبرزها اللواتي يخرجن من حالات الإدمان ويأتين عن طريق الرعاية الصحية ليحصلن على التأهيل المناسب، ومن المعروف أن طرد السموم يكون بممارسة الرياضة، فتصل هذه الحالات إلى مرحلة الانهيار والبكاء من التعب والألم، لكن الحمدلله قدرتها في السيطرة عليهن، جعلتهن يخرجن من الحالة التي كن فيها ، وبدأن حياة جديدة بنفسية جديدة مقبلة على الحياة.
• الزوج والعائلة
وترجع زارع الفضل بنجاحها في المرتبة الأولى إلى زوجها، فهو من شجعها على تغيير تخصصها ووقف بجانبها وآمن بقدرتها في المضي بمجال الرياضة والتدريب، خصوصاً بأنها لم تتوقع حينها أن مشوار التدريب سيكون طويلا، لذلك كان وجوده جانبها محفزاً بدرجة كبيرة ، وأيضا ساعدتها عائلتها ووقفت جانبها عندما تأكدت ولمست نجاحها في المجال.
• رسالة للعائلات السعودية
وتوجه المدربة الرياضية المحترفة رؤى طلعت زارع رسالة لكل عائلة سعودية عقليتها لا زالت لا تستوعب خروج نسائهن لممارسة الرياضة ، بأنه يجب أن تعي هذ العائلة أن الرياضة لا تخدش أنوثة وحياء المرأة ، على العكس فهي تساهم في تقويتها نفسياً وجسدياً وفكرياً وصحياً، فمثلما الرجل يحتاجها أيضاً تحتاجها المرأة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *