على خارطة المدن تبدو المدينة المنورة كالماسة التي تزيّن جواهر العقد وتُجمّل جغرافيا الحياة بكل ما حوت من سهول وجبال وارتفاعات وتعرجات؛ هي أم المدائن التي تحتضن التاريخ وتُصدّر للدنيا نسائم الروحانية. زيارتها تحتاج لجواز سفر لا يحمل صورة وعنواناً أو ختماً أزرقاً، بل يحمل قلباً شفافاً، ونفساً راضية، وعيوناً توّاقة لرؤية الجمال الذي لا يبلى ولا يموت.
• يكفيها احتضان “البدر”
كل شيء في المدينة المنورة وراءه قصة، وكل حجر وزاوية يحمل حكاية، ومع كل نقاط الجمال الذي تحفظه المدينة في خزانة تاريخها يكفيها فخراً أنها احتضنت “البدر” يوم أن هلّ إليها طالباً نصرتها، واحتفت به وبرفقته العظيمة يوم أن أتاها مهاجراً.
جولتنا في قلب المدينة المنورة لم تكن رغبة منا في تقديم وجبة تاريخ تُشبع القراء، ولا سعياً لاغتنام صورة للجمال المرسوم على الجدران، وربما ملامح الإنسان أيضا، ولكنها محاولة صحفية لاستعادة الماضي الجميل، على ورق أبيض بنفس نقائه وصفائه.
الكاميرا تحمل كنوز الصور، والقلم يفيض بجميل الذكريات، كما الإبداع ينادينا أن نكتب ما لم يكتبه غيرنا عن مكان بكل الأماكن ومدينة بكل المدن.. فاقرؤوا معنا الجولة وابدأوا معنا من بوابة الماضي ولا تنسوا جواز السفر.
• بوابة الماضي
لم تكتسب المدينة المنورة بريقها الخاطف من حاضر علت فيه المباني، واتسعت في أيامه رقعة العمران، بل لا يزال البريق حتى اليوم قديماً، لذا بدأنا من بوابة الماضي، بوابة الروحانية التي كست كل شيء منذ أن خطا الرسول الكريم على ترابها، وعاشر ساكنيها، وجعل منها ديواناً للحضارةِ والمعرفة،
مدينة حظيت بحب النبي الكريم حتى دعا لها أجمل الدعوات “اللهم اجعل للمدينة ضعفي ما بمكة من البركة”، دعوة تحمل ألف دلالة، وتؤكد أن الرسول الكريم كان عاشقاً ومحباً لهذه البقعة خاصة؛عاش على ترابها أزهى سنوات الدعوة، وفاز خلالها بالحب والنصرة، وصدر من أرضها شمس الرسالة، ليس هذا فقط ؛ بل ارتضاها دون غيرها سكن حياة، وقبر ممات أيضاً.